فاعتنقه وقبّله وجعل يعبث به عامّة ليلة فأفاق حين أفاق ونظر حين نظر فإذا هو على جسد ميّت وريح منتنة ، قد دنس ثيابه وجلده ، ونظر إلى القبر وما فيه من الموتى ، فخرج وبه من السّوء ما يختفي به من النّاس أن ينظروا إليه متوجّهاً إلى باب المدينة ، فوجده مفتوحاً فدخله حتّى أتى أهل فرأى أنَّه قد أنعم عليه حيث لم يلقه أحد ، فألقى عنه ثيابه تلك واغتسل ولبس لباساً اخرى وتطيّب.
عمّرك الله أيّها الملك أتراه راجعاً إلى ما كان فيه وهو يستطيع؟ قال : لا ، قال : فإنّي أنا هو ، فالتفت الملك إلى امرأته وابنته ، وقال لهما : قد أخبرتكما أنَّه ليس له فيما تدعونه رغبة ، قالت امها : لقد قصرت في النعت لابنتي والوصف لها أيّها الملك ولكنّي خارجة إليه ومكلّمة له ، فقال الملك للغلام : أنَّ امرأتي تريد أن تكلّمك وتخرج إليك ولم تخرج إلى أحد قبلك ، فقال الغلام : لتخرج إن أحبّت ، فخرجت وجلست فقالت للغلام : تعال إلى ما قد ساق الله إليك من الخير والرِّزق فأزوِّجك ابنتي فانّك لو قد رأيتها وما قسم الله عزَّ وجلَّ لها من الجمال والهيئة لاغتبطت ، فنظر الغلام إلى الملك فقال : أفلا أضرب لك مثلاً؟ قال : بلى.
قال : إنَّ سرّاقاً تواعدوا أن يدخلوا خزانة الملك ليسرقوا ، فنقّبوا حائط الخزانة فدخلوها فنظروا إلى متاع لم يروا مثله قطٌ ، وإذا هم بقلّة من ذهب مختومة بالذَّهب فقالوا : لا نجد شيئاً أعلى من هذه القلة هي ذهب مختومة بالذَّهب والّذي فيها أفضل من الّذي رأينا فاحتملوها ومضوا بها حتّى دخلوا غيضة لا يأمن بعضهم بعضاً عليها ففتحوها فإذا في وسطها أفاع ، فوثبن في وجوههم فقتلتهم أجمعين.
عمّرك الله أيّها الملك أفترى أحداً علم بما أصابهم ومالقوه يدخل يده في تلك القلّة وفيها من الافاعي؟ قال : لا ، قال : فإنّي أنا هو ، فقالت الجارية لأبيها : ائذن لي فأخرج إليه بنفسي واكلّمة فإنه لو قد نظر إليَّ وإلى جمالي وحسني وهيئتي وما قسم الله عزَّ وجلَّ لي من الجمال لم يتمالك أن يجيب ، فقال الملك للغلام : إنَّ ابنتي تريد أن تخرج إليك ولم تخرج إلى رجل قطٌّ ، قال : لتخرج إن أحبت ، فخرجت عليه وهي أحسن النّاس وجها وقدّاً وطرفاً وهيكلاً ، فسلّمت على الغلام وقالت للغلام : هل