أعدائي ، قالوا : أيّها الملك إنّما نمنعك من النّاس والسّباع والهوّام دوابِّ الأرض فأمّا البلى فلا طاقة لنا به ولا قوَّة لنا عليه ولا امتناع لنا منه ، فقال : فهل من حيلة في دفع ذلك عنّي؟ قالوا : لا ، قال : فشيءٌ دون ذلك تطيقونه ، قالوا : وما هو؟ قال : الاوجاع والاحزان والهموم ، قالوا : أيّها الملك إنّما قد قدر هذه الاشياء قوي لطيف وذلك يثور من الجسم والنفس وهو يصل إليك إذا لم يوصل ولا يحجب عنك وإن حجب (١) قال : فأمر دون ذلك ، قالوا : وما هو؟ قال : ما قد سبق من القضاء. قالوا : أيّها الملك ومن ذا غالب القضاء فلم يُغلب؟ ومن ذا كابره فلم يقهر؟ قال : فماذا عندكم؟ قالوا : ما نقدر على دفع القضاء ، وقد أصبت التوفيق والتسديد فماذا الّذي تريد ، قال : اريد أصحاباً يدوم عهدهم ويفوا لي وتبقى لي اخوَّتهم ولا يحجبهم عنّي الموت ولا يمنعهم البلى عن صحبتي ولا يستحيل (٢) بهم الامتناع عن صحبتي (٣) ولا يفردوني أن مت ، ولا يسلّموني إن عشت ، ويدفعون عني ما عجزتم عنه ، من أمر الموت.
قالوا : أيّها الملك ومن هؤلاء الّذين وصفت ، قال : هم الّذين أفسدتهم باستصلاحكم ، قالوا : أيّها الملك أفلا تصطنع عندنا وعندهم معروفاً فإنَّ أخلاقك تامّة ورأفتك عظيمة؟ قال : إنَّ في صحبتكم إيّايّ السمُّ القاتل ، والصّمم والعمي في طاعتكم ، والبكم من موافقتكم ، قالوا : كيف ذاك أيّها الملك؟ قال : صارت صحبتكم إيّاي في الاستكثار وموافقتكم على الجمع ، وطاعتكم إيّاي في الاغتفال فبطأتموني عن المعاد وزيّنتم لي الدُّنيا ولو نصحتموني ذكّرتموني الموت ولو أشفقتم عليَّ ذكرتموني البلى ، وجمعتم لي ما يبقي ، ولم تستكثروا لي ما يفنى ، فإنَّ تلك المنفعة الّتي ادَّعيتموها ضرر ، وتلك المودَّة عداوة ، وقد رددتها عليكم لا حاجة لي فيها منكم.
__________________
(١) في بعض النسخ « وان حجب لم يحتجب ».
(٢) يشتمل خ ل.
(٣) في بعض النسخ « ولا يستحيل بهم الاطماع عن نصيحتي » وفي بعضها « لا يستميل ».