في طاعتك ، فمرنا بأمرك ، قال : طرقني عدوٌّ مخيف (١) لم تمنعوني منه حتّى نزل بي وكنتم عدتي وثقاتي ، قالوا : أيّها الملك أين هذا العدوّ؟ أيرى أم لا يرى؟ قال : يرى بأثر ولا يرى عينه ، قالوا أيّها الملك هذه عدتنا كما ترى وعندنا سكن وفينا ذووا الحجى والنّهي ، فأرناه نكفك ما مثله يكفى ، قال : قد عظم الاغترار منّي بكم ووضعت الثقة في غير موضعها حين اتّخذتكم وجعلتكم لنفسي جُنّة ، وإنّما بذلت لكم الأموال ورفعت شرفكم وجعلتكم البطانة دون غيركم لتحفظوني من الأعداء وتحرسوني منهم ، ثمّ أيّدتكم على ذلك بتشييد البلدان وتحصين المدائن والثقة من السّلاح ونحّيت عنكم الهموم (٢) وفرَّغتكم للنّجدة والاحتفاط ، ولم أكن أخشى أن أراع معكم ولا أتخوَّف المنون على بنياني وأنتم عكوف مطيفون به فطرقت وأنتم حولي واتيت وأنتم معي ، فلئن كان هذا ضعف منكم فما أخذت أمري بثقة وإن كانت غفلة منكم فما أنتم بأهل النّصيحة ولا عليّ بأهل الشفقّة ، قالوا : أيّها الملك أمّا شيء نطيق دفعه بالخيل والقوَّة فليس بواصل إليك إن شاء الله ونحن أحياء وأمّا ما لا يرى فقد غيّب عنّا علمه وعجزت قوتنا عنه.
قال : أليس اتخذتكم لتمنعوني من عدوِّي ، قالوا : بلى قال : فمن أيِّ عدوّ تحفظوني من الّذي يضرُّني أو من الّذي لا يضرُّني؟ قالوا : من الّذي يضرك؟ قال : أفمن كلِّ ضارّ لي أو من بعضهم؟ قالوا : من كلِّ ضارّ ، قال : فإنَّ رسول البلى قد أتاني ينعى إليَّ نفسي وملكي ويزعم أنَّه يريد خراب ما عمرت وهدم ما بنيت وتفريق ما جمعت وفساد ما أصلحت وتبذير ما أحرزت وتبديل ما عملت وتوهين ما وثقت ، وزعم أنَّ معه الشماتة من الأعداء وقد قرَّت بي أعينهم فإنه يريد أن يعطيهم منّي شفاء صدورهم وذكر أنَّه سيهزم جيشي ويوحش انسي ويذهب عزِّي ويؤتم ولدي ويفرِّق جموعي ، يفجع بي إخواني وأهلي وقرابتي ويقطع أوصالي ويسكن مساكني
__________________
(١) طرق القوم : أتاهم ليلا.
(٢) نحاه عنه أي أبعده عنه وأزاله ـ والنجدة : الشجاعة والشدة والبأس.