ونستتر من تعييركم لنا بعفوه فلا تؤنّبونا (١) ولا تعيّرونا بضعفنا ولا تعيبوا الجهالة علينا فإنّا إن أطعنا الله مع عفوه وحمله وتضعيفه الحسنات واجتهدنا في عبادته مثل الّذي بذلنا لهوانا من الباطل بلغنا حاجتنا وبلغ الله عزَّ وجلَّ بنا غايتنا ورحمنا كما خلقنا ، فلمّا قالوا ذلك أقرَّ لهم علماؤهم ورضوا قولهم فصلّوا وصاموا وتعبّدوا وأعظموا الصّدقات سنّة كاملة ، فلمّا انقضى ذلك منهم قالت الكهنة : إنَّ الّذي صنعت هذه الاُمّة على هذا المولود يخبر أنَّ هذا الملك يكون فاجراً ويكون بارّاً ، ويكون متجبراً ويكون متواضعاً ويكون مسيئاً ويكون محسناً.
وقال المنجّمون مثل ذلك ، فقيل لهم : كيف قلتم ذلك؟ قال الكهنة : قلنا هذا من قبل اللّهو والمعازف والباطل الّذي صنع عليه ، وما صنع عليه من ضدّه بعد ذلك ، وقال المنجّمون : قلنا ذلك من قبل استقامة الزُّهرة والمشتري ، فنشأ الغلام بكبر لا توصف عظمته ، ومرح لا ينعت ، وعدوان لا يطاق ، فعسف وجار وظلم في الحكم وغشم وكان أحبُّ النّاس إليه من وافقه على ذلك وأبغض النّاس إليه من خالفه في شيء من ذلك ، واغترَّ بالشباب والصحّة والقدرة والظفر والنظر فامتلا سروراً وإعجاباً بما هو فيه ورأى كلّما يحب وسمع كلّما اشتهى حتّى بلغ اثنين وثلاثين سنّة ثمّ جمع نساء من بنات الملوك وصبيانا والجواري والمخدّرات وخيله المطهّمات العناق (٢) وألوان مراكبه الفاخرة ووصائفه وخدَّامه الّذين يكونون في خدمته فأمرهم أن يلبسوا أجد ثيابهم ويتزينوا بأحسن زينتهم وأمر ببناء مجلس مقابل مطلع الشمس صفائح أرضه الذهب ، مفضضاً بأنواع الجواهر ، طوله مائة وعشرون ذراعاً وعرضه ستّون ذراعاً ، ومزخرفاً سقفه وحيطانه ، قد زين بكرائم الحليِّ وصنوف الجوهر واللّؤلؤء النظيم وفاخره ، وأمر بضروب الأموال فاخرجت من الخزائن ونضّدت سماطين (٣) أمام مجلسه ، وأمر جنوده وأصحابه وقوّاده وكتابه وحجابه وعظماء
__________________
(١) انبه ـ بشد النون ـ : عنفه ولامه.
(٢) أي تام الحسن.
(٣) نضد المتاع ـ بشد الضاد وتخفيفها ـ رتبه وضم بعضه إلى بعض متسقا أومر كوما والسماط : الشيء المصطف. وسماط الطريق جانباه.