من الامر ، فقال الرَّجل وما ذاك؟ قال العصفور : لو كنت مضيت على ما هممت به من ذبحي لا ستخرجت من حوصلتي درَّة كبيضة الوزَّة فكان لك في ذلك غنى الدَّهر ، فلمّا سمع الرَّجل منه ذلك أسرَّ في نفسه ندماً على ما فاته ، وقال : دع عنك ما مضى ، وهلمَّ أنطلق بك إلى منزلي فأحسن صحبتك وأكرم مثواك ، فقال له العصفور : أيّها الجاهل ما أراك حفظتني إذا ظفرت بي ، ولا انتفعت بالكلمات الّتي افتديت بها منك نفسي ، ألم أعهد إليك إلّا تأس على ما فاتك ولا تصدِّق ما لا يكون ، ولا تطلب مالا يدرك؟ أما أنت متفجّع على ما فاتك وتلتمس منّي رجعتي إليك وتطلب مالا تدرك وتصدِّق أن في حوصلتي درة كبيضة الوزة ، وجميعي أصغر من بيضها ، وقد كنت عهدت إليك أن لا تصدق بما لا يكون وأن أمتكم صنعوا أصنامهم بأيديهم ثمّ زعموا أنّها هي الّتي خلقتهم وخفظوها من أن تسرق مخافة عليها وزعموا أنّها هي الّتي تحفظهم ، وأنفقوا عليها من مكاسبهم واموالهم ، وزعموا أنّها هي الّتي ترزقهم فطلبوا من ذلك مالا يدرك وصدَّقوا بما لا يكون فلزمهم منه ما لزم صاحب البستان.
قال ابن الملك : صدقت أمّا الاصنام فإنّي لم أزل عارفاً بأمرها ، زاهدا فيها ، آيساً من خيرها ، فأخبرني بالّذي تدعوني إليه والّذي ارتضيته لنفسك ما هو؟
قال بلوهر : جماع الدِّين أمر أنَّ أحدهما معرفة الله عزَّ وجلَّ والاخر العمل برضوانه ، قال ابن الملك : وكيف معرفة الله عزوجل؟
قال الحكيم : أدعوك إلى أن تعلم أنَّ الله واحد ليس له شريك ، لم يزل فرداً ربّاً ، وما سواه مربوب ، وأنّه خالق وما سواه مخلوق ، وأنّه قديم وما سواه محدث ، وأنّه صانع وما سواه مصنوع ، وأنّه مدبّرٌ وما سواه مدبّرٌ ، وأنّه باق وما سواه فإنَّ ، وأنّه عزيز وما سواه ذليل ، وأنّه لا ينام ولا يغفل ولا يأكل ولا يشرب ولا يضعف ولا يغلب ولا يضجر ، ولا يعجزه شيء ، لم تمتنع منه السماوات والأرض والهواء والبر والبحر ، وأنّه كون الاشياء لا من شيء ، وأنّه لم يزل ولا يزال ، ولا تحدث فيه الحوادث ، ولا تغيّره الاحوال ، ولا تبدِّله الازمان ، ولا يتغيّر من حال إلى حال ، ولا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون من مكان أقرب منه إلى مكان ، ولا