لم يضلَّ أبداً ، هي حبل الله المتين الّذي لا يخلقه طول التكرار ، من تمسّك به انجلى عنه العمى ، ومن اعتصم به فاز واهتدى ، وأخذ بالعروة الوثقى.
قال ابن الملك : فما بال هذه الحكمة الّتي وصفت بما وصفت من الفضل والشرف والارتفاع والقوَّة والمنفعة والكمال والبرهان لا ينتفع بها النّاس كلّهم جميعا؟.
قال الحكيم : إنّما مثل الحكمة كمثل الشمس الطالعة على جميع النّاس الابيض والاسود منهم ، والصّغير والكبير ، فمن أراد الانتفاع بها لم تمنعه ولم يحل بينه وبينها من أقربهم وأبعدهم ، ومن لم يرد الانتفاع بها فلا حجّة له عليها ، ولا تمنع الشّمس على النّاس جميعاً ، ولا يحول بين النّاس وبين الانتفاع بها ، وكذلك الحكمة وحالها بين النّاس إلى يوم القيامة ، والحكمة قد عمّت النّاس جميعاً إلّا أنَّ النّاس يتفاضلون في ذلك ، والشّمس ظاهرة إذ طلعت على الابصار النّاظرة فرّقت بين النّاس على ثلاثة منازل فمنهم الصّحيح البصر الّذي ينفعه الضّوء ويقوى على النظر ، ومنهم الاعمى القريب من الضّوء الّذي لو طلعت عليه شمس أو شموس لم تغن عنه شيئاً ، ومنهم المريض البصر الّذي لا يعدُّ في العميان ولا في أصحاب البصر ، كذلك الحكمة هي شمس القلوب إذا طلعت تفرَّق على ثلاث منازل : منزل لاهل البصر الّذين يعقلون الحكمة فيكونون من أهلها ، ويعملون بها ، ومنزل لاهل العمى الّذين تنبو الحكمة عن قلوبهم لا نكارهم الحكمة وتركهم قبولها كما ينبو ضوء الشّمس عن العميان ، ومنزل لاهل مرض القلوب الّذين يقصر علمهم ويضعف عملهم ويستوي فيهم السييء والحسن ، والحقّ والباطل ، وإنَّ أكثر من تطلع عليه الشمس وهي الحكمة ممّن يعمى عنها.
قال ابن الملك : فهل يسع الرَّجل الحكمة فلا يجيب إليها حتّى يلبث زماناً ناكباً عنها ، ثمّ يجيب ويراجعها؟ قال بلوهر : نعم هذا أكثر حالات النّاس في الحكمة.
قال ابن الملك : ترى والدي سمع شيئاً من هذا الكلام قطُّ؟ قال بلوهر : لاأراه سمع سماعاً صحيحاً رسخ في قلبه ولا كلّمه فيه ناصح شفيق.
قال ابن الملك : وكيف ترك ذلك الحكماء منه طول دهرهم؟ قال بلوهر : تركوه