قائمة الکتاب
الباب الرابع والخمسون قصّة بلوهر ويوذاسف
٥٧٧
إعدادات
كمال الدّين وتمام النّعمة
كمال الدّين وتمام النّعمة
المؤلف :أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]
الموضوع :الحديث وعلومه
الناشر :مؤسسة النشر الإسلامي
الصفحات :686
تحمیل
وهلك ما هلك ، تجد في كلِّ من كلّ خلفاً ، وترضى بكلٍّ من كلٍّ بدلاً ، تسكن دار كلِّ قرن قرناً ، وتطعم سؤر كلِّ قوم قوماً ، تقعد الاراذل مكان الأفاضل ، والعجزة مكان الحزمة (١) تنقل أقواماً من الجدب إلى الخصب (٢) ، ومن الرّجلة إلى المركب ومن البؤس إلى النّعمة ، ومن الشدَّة إلى الرَّخاء ، ومن الشّقاء إلى الخفض والدَّعة حتّى إذا غمستهم في ذلك انقلبت بهم فسلبتهم الخصب ، ونزعت منهم القوَّة. فعادوا إلى أبأس البؤس ، وأفقر الفقر ، وأجدب الجدب.
فأمّا قولك أيّها الملك في إضاعة الأهل وتركهم فإنّي لم أضيّعهم ، ولم أتركهم بل وصلتهم وانقطعت إليهم ، ولكنّي كنت وأنا أنظر بعين مسحورة لا أعرف بها الاهل من الغرباء ولا الأعداء من الاولياء ، فلمّا انجلى عنّي السّحر استبدلت بالعين المسحورة عيناً صحيحة ، واستبنت الأعداء من الاولياء ، والاقرباء من الغرباء ، فإذا الّذين كنت أعدّهم أهلين وأصدقاء وإخواناً وخلطاء إنّما هو سباع ضارية (٣) لاهمة لهم إلّا أن تأكلني وتأكل بي ، غير أنَّ اختلاف منازلهم في ذلك على قدر القوَّة ، فمنهم كالاسد في شدَّة السورة (٤) ومنهم كالذِّئب في الغارة والنّهبة ، ومنهم كالكلب في الهرير والبصبصة ، ومنهم كالثعلب في الحيلة السّرقة ، فالطّرق واحدة والقلوب مختلفة.
فلو أنّك أيّها الملك في عظيم ما أنت فيه من ملكك ، وكثرة من تبعك ومن أهلك وجنودك وحاشيتك وأهل طاعتك ، نظرت في أمرك عرفت أنّك فريدٌ وحيدٌ ، ليس معك أحد من جميع أهل الأرض ، وذلك إنّك قد عرفت أنَّ عامّة الامم عدو لك ، وأنَّ هذه الاُمّة الّتي اوتيت الملك عليها كثيرة الحسد (٥) من أهل العداوة والغشّ لك الّذين هم أشدّ عداوة لك من السباع الضارية ، وأشد حنقاً عليك من كلِّ الامم
__________________
(١) في بعض النسخ « الفجرة مكان البررة ».
(٢) الجدب : القحط ، مقابل الخصب.
(٣) الضاري من الكلاب ما لهج بالصيد وتعود أكله.
(٤) السورة ـ بالفتح ـ : الحدة.
(٥) في بعض النسخ « الحشد » وهو الجماعة.