لمن تكسو ، والمورثة بعد ذلك العرى ، المواضعة لمن ترفع ، والمورثة بعد ذلك الجزع ، التاركة لمن يعشقها ، والمورثة بعد ذلك الشقوة ، المغوية لمن أطاعها واغترَّ بها ، الغدَّارة بمن ائتمنها وركن إليها ، هي المركب القموص (١) والصّاحب الخَؤون ، والطّريق الزلق ، والمهبط المهوي ، هي المكرمة الّتي لا تكرم أحداً إلّا أهانته ، المحبوبة الّتي لا تحبُّ أحداً ، الملزومة الّتي لا تلزم أحداً ، يوفي لها وتغدر ، ويصدق لها وتكذب ، وينجز لها وتخلف ، هي المعوِّجة لمن استقام بها ، المتلاعبة بمن استمكنت (٢) منه ، بينا هي تطعمه إذ حوَّلته مأكولا ، وبيناهي تخدمه إذ جعلته خادما ، وبينا هي تضحكه إذ ضحكت منه ، وبينا هي تشمته إذ شمتت منه (٣) وبينا هي تبكيه إذا بكت عليه ، وبينا هي قد بسطت يده بالعطيّة إذ بسطتها بالمسألة ، وبينا هو فيها عزيز إذ أذلّته وبينا هو فيها مكرم إذ أهانته ، وبينا هو فيها معظّم إذ صار محقوراً ، وبينا هو رفيع إذ وضعته ، وبينا هي له مطيعة إذ عصته ، وبينا هو فيها مسرور إذ أحزنته ، وبينا هو فيها شبعان إذ أجاعته ، وبينا هو فيها حيٌّ إذ أماتته.
فافٍّ لها من دار إذ كان هذا فعالها ، وهذه صفتها ، تضع التاج على رأسه غدوة وتعفر خدَّة بالتراب عشية ، وتحلّى الايدي بأسورة الذَّهب عشيّة ، وتجعلها في الاغلال غدوة ، وتقعد الرَّجل على السّرير غدوة ، وترمي به في السّجن عشيّة ، تفرش له الدِّيباج عشية ، تفرش له التّراب غدوة ، وتجمع له الملاهي والمعازف غدوة ، وتجمع عليه النّوائح والنوادب عشيّة ، تحبب إلى أهله قربه عشية ، وتحبّب إليهم بعده غدوة ، تطيب ريحه غدوة وتنتن ريحه عشيّة ، فهو متوقع لسطواتها ، غير ناج من فتنتها وبلائها ، تمتع نفسه من أحاديثها وعينه من أعاجيبها ، ويده مملوءة من جمعها ثمّ تصبح الكفّ صفراً ، والعين هامدة ، ذهب ما ذهب ، وهوى ما هوى ، وباد ما باد ،
____________
(١) القموص ـ على وزان چموش ـ وبمعناه.
(٢) في بعض النسخ « استمسكت ».
(٣) في بعض النسخ « وبينا هي تشتمه إذا شتمت منه ». ولعل الصواب « بينا هي تسمنه إذ سمنت منه ».