ومسغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها (١) ومشكلاتها ، متعصّباً لمذهب الاماميّة راغباً عن الامن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدِّي إلى التباغض والتشاتم ، معيباً للفرق ذوي الخلاف ، كاشفاً عن مثالب أئمّتهم ، هتاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشدِّ النواصب منازعة ، وأطو لهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلاً ، وأشنعهم سؤالاً وأثبتهم على الباطل قدماً.
فقال ذات يوم ـ وأنا اناظره ـ : تَبّاً لك ولاصحابك يا سعد إنّكم معاشر الرَّافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما ، هذا الصدِّيق الّذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنَّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علماً منه أنَّ الخلافة له من بعده وأنّه هو المقلّد لامر التأويل والملقى إليه أزمّة الاُمّة ، وعليه المعوِّل في شعب الصدع ، ولم الشعث ، وسدِّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك (٢) ، وكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلّة الّتي شرحناها ، وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله (٣) ، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.
قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقب (٤) كلِّ واحد منها بالنقض والرَّدِّ عليَّ ، ثمّ قال : ، يا سعد ودونكها أُخرى بمثلها تخطم أنوف الرَّوافض (٥) ، ألستم
__________________
(١) في بعض النسخ « معاضلها ».
(٢) تسريب الجيوش : بعثها قطعة قطعة.
(٣) أكترث له أي ما أبالي. وما حفله وما حفل به أي ما بالى به ولا أهتم له.
(٤) في بعض النسخ « يقصد ».
(٥) خطمه أي ضرب أنفه.