وكان عليهالسلام أنبط لي (١) من خزائن الحكم ، وكوا من العلوم ما أن أشعت إليك (٢) منه جزء أغناك عن الجملة.
[ واعلم ] يا أبا إسحاق إنَّه قال عليهالسلام : يا بنيَّ أنَّ الله جلَّ ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجدِّ في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلى بها ، وإمام يؤتمُّ به ، ويقتدى بسبيل سنّته ومنهاج قصده ، وأرجو يا بنيَّ أن تكون أحد من أعدَّ الله لنشر الحقِّ ووطيء الباطل (٣) وإعلاء الدِّين ، وإطفاء الضلال ، فعليك يا بنيَّ بلزوم خوافي الأرض ، وتتّبع أقاصيها ، فإنَّ لكلِّ ولي لاولياء الله عزَّ وجلَّ عدواً مقارعاً وضدّاً منازعاً افتراضا لمجاهدة أهل النفاق وخلاعة اولي الالحاد والعناد فلا يوحشنّك ذلك.
واعلم إنَّ قلوب أهل الطاعة والاخلاص نزَّع إليك (٤) مثل الطير إلى أو كارها وهم معشر يطلعون بمخائل الذِّلّة والاستكانة (٥) ، وهم عند الله بررة أعزاء ، يبرزون بأنفس مختلّة محتاجة (٦) ، وهم أهل القناعة والاعتصام ، استنبطوا الدِّين فوازروه على مجاهدة الاضداد ، خصّهم الله باحتمال الضيم في الدُّنيا (٧) ليشملهم باتّساع العزِّ
__________________
(١) أنبط الحفار : بلغ الماء. ونبج الماء : نبع والمراد أظهر وأمشى.
(٢) في بعض النسخ « أشعب » أي افرق وأجزء.
(٣) في بعض النسخ « وطى الباطل ».
(٤) نزع ـ كركع ـ أي مشتاقون اليك. وقد يقرء « ترع » بالتحريك والترع ـ محركة ـ : الاسراع إلى الشى والامتلاء. في القاموس : ترع ـ كفرح ـ فهو ترع ، وفلان اقتحم الأُمور مرحاً ونشاطاً فهو تريع ولعل المختار أنسب كما في البحار ، لكن في بعض النسخ المصححة « أنَّ قلوب أهل الطاعة والاخلاص تترع أشد ترعاً اليك من الطير .. الخ »
(٥) أي يدخلون في امور هي مظان المذلة. أو يطلعون ويخرجون بين النّاس مع أحوال هي مظانها
(٦) في بعض النسخ « بررة أغراء » باعجام العين واهمال الراء جمع الاغر من غر الاماجد وغر المحجلين. وفي بعض النسخ « بأنفس مخبلة محتاجة » والخبل : فساد العقل والمختار هو الصواب.
(٧) الضيم. الظلم.