فانهارت إلى القرار ، وخرَّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه ، فتغيّرت ألوان الاساقفة ، وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدِّي : أيّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدّالّة على زوال هذا الدِّين المسيحي والمذهب الملكاني (١) ، فتطيّر جدِّي من ذلك تطيّراً شديداً ، وقال للاساقفة : أقيموا هذه الاعمدة ، وارفعوا الصلبان ، واحضروا أخا هذا المدبّر العاثر (٢) المنكوس جدّه لا زوِّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الاوَّل ، وتفرَّق النّاس وقام جدِّي قيصر مغتمّاً ودخل قصره وارخيت الستور فأريت في تلك الليلة كان المسيح والشمعون وعدَّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدِّي ونصبوا فيه منبرا يباري السّماء علوا (٣) وارتفاعا في الموضع الّذي كان جدي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمّداً صلىاللهعليهوآله مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول : يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد صلىاللهعليهوآله وزوَّجني وشهد المسيح عليهالسلام وشهد بنوا محمّد صلىاللهعليهوآله والحواريون ، فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرُّؤيا على أبي وجدي مخافة القتل ، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد حتّى امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسي ودقَّ شخصي ومرضت مرضاً شديداً فما بقي من مدائن الرُّوم طبيب إلّا أحضره جدِّي وسأله عن دوائي فلمّا برح به اليأس (٤) قال : يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟ فقلت : يا جدِّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب
____________
(١) الملكانية أصحاب ملكا الّذي ظهر بالروم واستولى عليها. ومعظم الروم ملكانية قالوا : أنَّ الكلمة اتحدت بجسد المسيح (الملل والنحل).
(٢) في بعض النسخ « العابر » وفي البحار نقلا عن غيبة الشيخ « العاهر ».
(٣) يبارى السّماء : أي يعارضها.
(٤) برح به الامر تبريحا : جهده وأضرّ به.