جلا عنه العدوّ من أرضهم ، فحصل في يد من قطنه ، وأقام به من المسلمين مثل الثغور.
وأما الأخماس : فمنها : خمس الغنيمة التي كان يأخذها النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ومنها أخماس المعدن واشتقاقه من عدن بالمكان ، إذا أقام به وثبت ، وكان ذلك لازما له كمعدن الذهب والفضّة والحديد والصفر وما يستخرج من تراب الأرض بالحيلة أبدا ، ففيه الخمس ، ومنها سيب البحر ، وهو ما يلقيه ، كالعنبر وما أشبهه ، فكأنه عطاء البحر ، فيه الخمس ، ومنها : ما يأخذه العاشر من أموال المسلمين وأهل الذّمة والحرب ، التي يتردّد بها في التجارات. ثم نقول الآن : قال أهل العلم : أيما أهل حصن أعطوا الفدية ، من حصنهم ، ليكفّ عنهم ، ورأى الإمام ذلك حظّا للدين والإسلام ، فتلك المدينة للمسلمين ، فإذا ورد الجند على حصن ، وهم في منعة لم يظهر عليهم بغلبة ، لم تكن تلك الفدية غنيمة للذين حضروا دون جماعة المسلمين.
وكل ما أخذ من أهل الحرب من فدية ، فهي عامّة وليست بخاصّة من حضر. وقال يحيى بن آدم : سمعت شريكا يقول : إنما أرض الخراج ما كان صلحا على الخراج يؤدّونه إلى المسلمين. قال يحيى : فقلت لشريك : فما حال السواد؟ قال : هذا أخذ عنوة فهو فيء ، ولكنّهم تركوا فيه ، فوضع عليهم شيء يؤدّونه. قال : وما دون ذلك من السواد فيء ، وما وراءه صلح. وأبو حنيفة ، رضي الله عنه ، يقول : ما صولح عليه المسلمون ، فسبيله سبيل الفيء. وروي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : لعلّكم تقاتلون قوما ، فيدفعونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم ، ويصالحونكم على صلح ، فلا تأخذوا فوق ذلك ، فإنه لا يحلّ لكم. ورخّص بعض الفقهاء في الازدياد على ما يحتمل الزيادة ، وفي يده الفضل من أهل الصلح ، واتّبعوا في ذلك سننا وآثارا ممن سلف ، إلا أن الفرق بين الصلح والعنوة ، وإن كانا جميعا من العشر والخراج. إلا أنه وقع في ملك أهل العنوة خلاف ، ولم يقع في ملك أهل الصلح. وكره بعض أهل النظر شراء أرض أهل العنوة ، واجتمع الكل على جواز شراء أرض أهل الصلح ، لأنهم ، إذا صولحوا قبل القدرة عليهم والغلبة لهم ، فأرضوهم ، ملك في أيديهم. وقال الشافعي ، رضي الله عنه : إن مكث أهل الصلح أعواما لا يؤدّون ما صولحوا عليه من فاقة أو جهد ، كان ذلك عليهم إذا أيسروا. وقال أبو حنيفة ، رضي الله عنه : يؤخذون بأداء ما وجب عليهم مستأنفا ولا شيء عليهم فيما مضى. وهو قول سفيان الثوري. وقال مالك وأهل الحجاز : إذا أسلم الرجل من أهل الصلح أخذ من أرضه العشر وسقطت حصّته من الصلح ، فإن أهل قبرس لو أسلموا جميعا ، كانت أرضهم عشريّة ، لأنها لم تؤخذ منهم ، وإنما أعطوا الفدية عن القتل. وأبو حنيفة وسفيان وأهل العراق يجرون الصلح مجرى الفيء ، فإن أسلم أهله أجروا على أمرهم الأول في الصلح ، إلا أنه لا يزداد عليهم في شيء ، وإن نقضوا ، إذا كان مال الصلح محتاجا لمعايشهم ، فلا بأس به.