الباب الرابع
في أقوال الفقهاء في أحكام أراضي الفيء والغنيمة وكيف قسمة ذلك
قال مسلمة بن محارب : حدّثني قحذم قال : جهد زياد في سلطانه ، أن يخلّص الصّلح من العنوة ، فما قدر ، مع قرب العهد ووجود من حضر الفتوح ، فأما الحكم في ذلك ، فهو أن تخمّس الغنيمة ، ثم تقسم أربعة الأخماس بين الذين افتتحوها ، وقال بعضهم : ذلك إلى الإمام ، إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمّسها ويقسم الباقي كما فعله رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بخيبر فذلك إليه ، وإن رأى أن يجعلها فيئا ، فلا يخمسها ولا يقسمها ، بل تكون مقسومة على المسلمين كافّة ، كما فعل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، بمشورة عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، ومعاذ بن جبل ، وأعيان الصحابة ، بأرض السواد ، وأرض مصر ، وغيرهما مما فتحه عنوة. أخذ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، وبذلك أشار الزبير في مصر ، وبلال في الشام ، وهو مذهب مالك بن أنس ، فالغنيمة ، على رأيهم ، لأهلها دون الناس. واعتمد عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعليّ بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، رضي الله عنهما ، في قوله عز وجل : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، إلى قوله تعالى : (« لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) ... (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ... (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) وبذا أخذ سفيان الثوري. فإن قسّم الأرض بين من غلب عليها ، كما فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأراضي خيبر ، صارت عشريّة وأهلها رقيقا ، فإن لم يقسمها وتركها للمسلمين كافّة ، فعلى رقاب أهلها الجزية ، وقد عتقوا بها ، وعلى الأرض الخراج ، وهي لأهلها ، وهو قول أبي حنيفة ، رضي الله عنه ، وإذا أسلم الرجل من أهل العنوة وأقرّت أرضه في يده يعمرها ، فيؤدّي الخراج عنها ، ولا اختلاف في ذلك لقوم ، بل يكون الخراج عليه ، ويزكي بقية ما تخرجه الأرض ، بعد إخراج الخراج ، إذا بلغ الحبّ خمسة أوسق. وروي عن عليّ ، رضي الله عنه ، أنه قال : لا يؤخذ من أرض الخراج إلا الخراج وحده ، يقول : لا يجمع على المسلم الخراج والزكاة جميعا ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال : أبو يوسف وشريك بن عبد الله في آخرين : إذا استأجر المسلم أرضا خراجيّة ، فعلى صاحب الأرض الخراج ، وعلى المسلم أن يزكي أرضه إذا بلغ ما يخرج منها خمسة أوسق ، وكان