ـ ١ ـ
إشكالية الفتح
لا مراء في أن
إنشاء الكوفة سنة ١٧ من الهجرة الموافق لسنة ٦٣٨ ميلادية ارتبط مباشرة بفتح العرب
للعراق. فحالما فرغ العرب من السيطرة على العراق ، بعد طرد فلول القوات الساسانية
إلى النجد الإيراني ، وبعد أن استولوا على جلولاء والمدائن ، مكتسحين السواد كله ،
شعروا بالحاجة إلى إنشاء دار هجرة على تخوم البلاد المفتوحة ، تكون بمثابة المعسكر
والمركز للهجرة في الوقت نفسه. وعلى ذلك ، تشكل الكوفة ثمرة مباشرة لعملية من
عمليات الفتح الخاطف معللة إياها ومشكلة بدورها امتدادا لها ، ضامنة لها ، راسمة
معالمها على التربة ، ذلك أن الكوفة تحتل موقع القلب من المنطقة ، تلك المنطقة
التي كانت تدور فيها المعارك بين العرب والامبراطورية الساسانية ؛ منطقة معدة لكي
يعمرها أول من يعمرها المشاركون في القتال ويستقر فيها أغلب المجاهدين العرب. وعلى
هذا ، فستتأثر الكوفة كثيرا ، وبدرجة أعظم مما حصل في البصرة ، بالحدث التاريخي
المتمثل في الفتح ، كما سيؤثر فيها العيش على ذكراه ، وسيظهر ذلك التأثير في
عناصرها البشرية التي جسمت كيانها ، وفي بنيتها الاجتماعية ، وفي الحركات السياسية
الدينية التي ستهزها. وفضلا عن ذلك ، يتجاوز الفتح العربي للعراق مصير الكوفة
بصفته قضية تاريخية ، ذلك أن الكوفة تندرج ضمن ظاهرة كونية هي ظاهرة الفتح العربي
الذي اكتسح العالم. ولا يبدو لنا مفيدا أو ضروريا التعمق في بحث القضية في جملتها
، بل نرى أنّ من الأهم البحث في اندراج الفتح العربي ضمن فضاء معين ، بمواقيت خاصة
به وبعناصره البشرية. ولكن ، بقدر ما يكون الارتباط مباشرا لا محالة بين الظروف
التاريخية المحيطة بإنشاء الكوفة وظاهرة الفتح بصفة عامة ، فمن المفيد أن نلمح دون
إطالة إلى قضية نشأة الفتح العربي ودلالته.
يستحسن التذكير
بأن المؤلفين المحدثين ومنهم كايتاني Caetani
وشعبان Shaban الذي تلاه بعد ثلاثة أرباع القرن ،
قد طرحوا مسألة النظر في أسباب الفتح العربي ومعناه ،