روى سيف أن «كل
المسلمين فارس مؤد» . وذلك قد يعني أن المشاة ينتمون إلى صفوف الأساورة
والحمراء. وبقي سعد مع أكثر الجيش ، في المؤخرة على عادته ، لكنه كان يلحق بانتظام
بالمقدمة.
تكللت المرحلة
الأولى في نرس بنصر صغير على بصبهري. وفي بابل وهي المرحلة الثانية تجمعت
بقايا القادسية ممن أفلت من القتل مع قادتهم وهم : النخيرجان ، ومهران الرازي ،
والهرمزان ، والتحق بهم بصبهري ، وتولى عليهم الفيرزان قائدا أعلى ، وكان سابقا
منافسا لرستم ، واتضح بذلك العزم الفارسي على التصدي. ولم يعتقد زهرة أنه
كان يستطيع هزمهم بمفرده ، فطلب المدد من سعد الذي وجه إليه عبد الله وشرحبيل ، ثم
هاشما مع باقي الجيش الذي وصل بعد أن تم النصر . كان نصرا سريعا ، تفرق بعده أكثر القادة الفرس ، فجارى كل
واحد منهم أطماعه أو انساق وراء المصلحة المحلية للإقليم الذي كان يمثله. فعاد
الهرمزان إلى الأهواز ، ورجع الفيرزان إلى نهاوند لاستغلال موارد هذا الإقليم. وبقي
النخيرجان ومهران وحدهما للدفاع عن المدائن . ويدل تفكك القيادة هذا على عدة عوامل ، منها أن السلطة
الملكية تلاشت تماما أو كادت ، وأن الاقليمية عادت إلى الظهور في عالم إيراني
منحلّ مهدد ، وقد تأكدت دون شك حال انفجار أزمة الخلافة على الملك ، وبلغت طلائع
الجيش العربي بهرسير غرب دجلة بعد صدام قصير في كوثى. وتجدد المشهد ذاته في مواطن
القتال الأخرى إذ حالما وصل زهرة مع مقدمة الجيش إلى ساباط ، طلب دهقانها الصلح ،
بعد أن قضى زهرة على الكتيبة الخاصة لكسرى بوران ، ولحق به هاشم وخاض القتال ، وأخيرا وصل جميع الفرسان المرافقين لسعد أمام بهرسير
وضربوا عليها حصارا دام شهرين (أواخر سنة ١٥ وبداية سنة ١٦ من الهجرة) . وخلال هذا الحصار اكتسح الجيش العربي السواد فيما بين
الفرات ودجلة ، ولعل الاتفاق قد تم أثناءه بخصوص وضع الفلاحين وأراضي هذه المنطقة.
__________________