تقرير مصير الكوفة السياسي ، كما في تحديد طابعها الحضاري. وفي رأي ماسينيون أن العنصر اليمني القديم والحضري منذ زمن بعيد ، هو صاحب الفضل في تحضير القبائل العربية في الكوفة ، أي أنه لعب دورا تمدينيا رفيع المستوى.
تختلف الأرقام التي تقدّر عدد سكان الكوفة باختلاف المصادر والمراحل التاريخية. ففي المرحلة الأولى ، يقدّر هذا العدد بين عشرين ألفا وثلاثين ألفا (البلاذري ، فتوح ، ٢٧٦) ، على أن ياقوت يقدّره بأربعين ألفا (بلدان ، IV ، ٤٩١). وفي نص لأبي مخنف (كما يذكر الطبري ، V ، ٧٩) أن عليا استطاع أن يجنّد منهم ٥٧ ألف مقاتل ، بينهم ١٧ ألفا من الشبان اليافعين ، وأربعين ألفا من الرجال البالغين. وعندما وسّع زياد بن أبي سفيان المسجد ، جعله يتسع لستين ألف شخص ، وهو رقم أكّده البلاذري (فتوح ، ٣٤٥) من خلال المعلومات الرصينة التي ذكرها عن عدد الأشخاص المسجّلين في الديوان : ستين ألف رجل وثمانين ألف امرأة وولد ، في العام ٥٠ ه٦٧٠/ م ، أي ١٤٠ ألف عربي ، لا بد من إضافة الموالي والعبيد وغير العرب إليهم. في الحقبة نفسها ، كان عدد سكان البصرة (٢٠٠ ألف شخص) يفوق على نحو ملحوظ عدد سكان الكوفة؛ غير أن التزايد الديموغرافي في غضون جيل واحد كان كبيرا ويفسّر كيف استطاع زياد في خراسان أن ينقل خمسين ألف مقاتل ، منهم من البصرة أربعين ألفا ومن الكوفة عشرة آلاف. ومن المعقول جدا أن يكون عدد العرب الذين شملهم الإحصاء وكانوا يتقاضون العطاء ، قد بقي على حاله ، بعد عهد زياد ، وطيلة العصر الأموي ، ليبدأ بعد ذلك بالانخفاض ، منذ عهد الحجّاج (٧٥ ـ ٩٥ ه٦٩٤/ ـ ٧١٣ م). غير أنه لم يكن ممكنا تحديد عدد الذين هم من غير العرب ، والمقتلعين من أرضهم ، والموالي الجدد الذين تدفّقوا على المصر. وتبيّن التدابير الزجرية الرادعة التي اتخذها الحجاج لمكافحة تدفقهم على المدينة ، مدى الفوضى التي كانت تسود ذلك التدفق ، ومدى خطورته على توازن المدينة وانتظامها. وقد تميّز تاريخ أهل الكوفة ، في العصر الإسلامي الأول وفي العصر الأموي ، بالتوسّع الديموغرافي السريع ، العربي تحديدا ، في مرحلة أولى (١٧ ـ ٥٣ ه٦٣٨/ ـ ٦٧٣ م) أعقبها استقرار متقطّع ، بسبب موجات المهاجرين من غير العرب ، القادمين من الأرياف.
تطوّر الشكل الطوبوغرافي للكوفة خلال القرن الأول للهجرة/القرن السابع الميلادي ، لكنه ظلّ محافظا على الخطوط الأساسية الأصلية. كانت الكوفة الأولى ، في عهد عمر(١٧ ـ ٢٣ ه٦٣٨/ ـ ٦٤٣ م) ، معسكرا هندسي الشكل ،