بيوت القادة ، التي كانت تنفتح على الرحبة ، ولا سيما إشارة وردت في كتاب البلدان (١) جاء بها :
«وليس حول القصر بناء ولا دار ولا مسكن لأحد إلا دار من ناحية باب الشام للحرس وسقيفة كبيرة ... ، وحول الرحبة كما تدور منازل أولاد المنصور الأصاغر ومن يقرب من خدمته من عبيده وبيت المال وخزانة السلاح وديوان الرسائل وديوان الخراج وديوان الخاتم وديوان الجند وديوان الحوائج وديوان الأحشام ومطبخ العامة وديوان النفقات». هذا نص هام دون شك ، والغريب أنه لا هرزفلد ولا كرسويل اعتمداه في تخيلهما لتصميم مخطط المدينة المستديرة ، لكن لم يكن الأمر على هذا النحو بالنسبة للاسترانج (٢). فهو يوزع هذه البنايات بين القصر والحزام السكني ، تاركا فسحات بينها ومحترما الطابع الواضح للرحبة. الواقع أن تصميمه يستجيب أكثر لمجموع المعلومات التي توفرت لدينا ، مما تستجيب لذلك الحلقة الاضافية التي تصورها لاسنر. وما قدمه هذا الأخير من حجج لم يكن مقنعا ، بما فيها قصة عيسى بن علي (٣) التي لا تدل إلا على أن الرحبة كانت حيّزا كبيرا للسير على الأقدام بالصورة نفسها التي بقي ما قاله اليعقوبي غامضا. كان المجال المركزي واسعا فعلا : كان قطره يتراوح بين كيلومتر وكيلومترين حسب التقديرات ولذا ، يمكن تصور القصر والمسجد منعزلين تماما دون إضافة حلقة أخرى مفردة لا بد أن تكون المصادر قد أشارت إليها لو كانت موجودة حقا. فضلا عن أن مقر المصالح الادارية كان في كل زمن بالمركز العمومي سواء في الكوفة أو البصرة أو واسط والأكثر أن يكون في القصر ذاته أو إلى جواره. لكن بخصوص المدينة المستديرة فإنه ينبغي ابعادها كما أكد ذلك اليعقوبي ولأنه أكد الأمر ، دون إقصائها عن المركز الذي من وظائفه أن يتقبل وجود هذه المصالح. وبالفعل فإننا نستعين في مثل هذه الصورة ، بمعرفتنا بالكوفة الأولية وبتلك البنية الحضرية الموظفة التي استنتجناها ، وهي تسمح لنا بأن نحسم في اتجاه المصداقية. على أن الرحبة لا تغطي المركز كله إلا على سبيل المجاز. إن المقصود بالتحديد من هذه الكلمة هو المجال المحيط بمركّب القصر والمسجد ، والذي يفصله عن قطائع السكنى. وكما كان في الكوفة ، لكن بصورة أعظم ، أصبحت هذه الرحبة «رحبة المسجد» بعد ذلك (٤) ممددة إياه ، واستخدمت للصلاة في الهواء الطلق (أي كمصلى). وتؤيد كل هذه
__________________
(١) كتاب البلدان ، ص ٢٤٠.
(٢) Le Strange ,Ouvr.cit.,pp.٤١ ـ ٥١.
(٣) الطبري ، ج ٧ ، ص ٦٥٢ : كان عيسى يريد الحصول على اذن بألا يستمر في عبور الرحبة راجلا. وقد حدث ما يشبه ذلك في الكوفة : انظر ما سبق ص ١٠٨. والمهم أن نلاحظ أن الفصائل صممت لتوصل مختلف أجزاء مساحة السكن.
(٤) هكذا يسمّيها الطبري منذ بدء إنشائها : ج ٧ ، ص ٦٥٢ ، ويحتمل أن يكون ذلك إسقاطا يعود إلى الماضي. لكن الأمور تزيد وضوحا في القرن الثالث : المرجع نفسه ، ج ٩ ، ص ٣٥٨.