البصرة توسيعا عظيما فبناه بالآجر والجبس ، وغطى السقف بالخشب الثمين (١). وبعد أن نقل موضع القصر من الدهناء إلى أن جعله ملاصقا للمسجد ، بناه كذلك بناء صلبا لكن باللبن فقط (٢). ولا يتحدث أي خبر موثوق به عن إعادة بناء قصر أو مسجد الكوفة بعد زياد ، واستمر الوضع كذلك حتى نهاية العصر الأموي. روى البراقي دون غيره أخبارا متأخرة وأكّد أن عبد الملك هدم القصر في سنة ٧١ ه. (مما يثبت أنّ القصر كان موجودا) ، وبنى قصرا آخر مكانه (٣) واعتمد في قوله على الدياربكري (٤) ، وعلى سبط ابن الجوزي (٥). تعرض الطبري (٦) والبلاذري (٧) مطولا لمقام عبد الملك في الكوفة ، ولم يذكرا ولو كلمة عن هذا الهدم الذي لا يصدق. وتؤيد الأمور الرأي القائل إن مسجد الكوفة وقصرها سواء بسواء كانا من عمل زياد ، وقد اتصفا بمظهر معماري متكامل حين شاهدهما الناس في القرن الثاني الهجري (سيف مثلا) (٨) ، إلى أن بقيا في عصر متأخر على تلك الحال ، باستثناء القصر الذي تم ترميمه في العصر العباسي. والغريب أن ابن بطوطة قدم وصفا لقاعة الصلاة بمسجد الكوفة قريبة بصفة ملفتة للنظر مما قاله سيف بن عمر فتحدث عن سقف مرتفع يقوم مباشرة على الأعمدة (٩). وعلى هذا الأساس يجب التنويه بعمل زياد ، الذي اكتسى مظهرا مكتملا وعظيما ، وهذه ظاهرة ممتازة ولا سيما أنها وجدت في عصر الإسلام المبكّر.
مسجد زياد
على الرغم من اقتضاب قول البلاذري ، فقد تضمن عناصر أساسية تخص عمل زياد هي التوسيع وبناء حجرة الصلاة ، ورفع السقف على أعمدة عالية ، وأرض مغطاة بالحصى المعير ، وتشييد المقصورة (١٠). وهكذا ، فقد تميّز مسجد الكوفة بالخاصيات الرئيسة المعروفة
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٣٤٢. وقد روى عنه ياقوت ، معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٤٣٣.
(٢) المرجع نفسه ، الصفحة نفسها ، وبنى الجسر بعد ذلك خلافا لما وقع بالكوفة.
(٣) البراقي ، ص ٦٦ وما بعدها.
(٤) مات في ٩٦٦ ه ، وألف تاريخ الخميس ، ج ٢ ، ص ٣٤٥.
(٥) تذكرة الخواص ؛ أشار المسعودي في مروج الذهب ، ج ٣ ، ص ٣١٢ ، لا إلى تهديم القصر بل إلى الطاق الذي كان يجلس تحته عبد الملك لا غير.
(٦) الطبري ، ج ٦ ، ص ١٦٢ ـ ١٦٥.
(٧) أنساب الأشراف ، ج ٥ ، ص ٣٥٠ ـ ٣٥٤.
(٨) تحدث سيف عن إعادة بناء المسجد من قبل زياد ، لا عن بناء القصر : الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٦. وقال بخصوص المسجد : «فلم يزل على ذلك حتى بني أزمان معاوية بن أبي سفيان بنيانه اليوم على يدي زياد». والملاحظ أنه لم يتمكن من مشاهدة سقوف الفسيفساء المنسوبة إلى سعد ، خلافا لما قال ريتميير.Reitemeyer
(٩) رحلة ، طبعة بيروت ١٩٦٠ ، ج ١ ، ص ٢١٩ ؛ ابن جبير ، رحلة ، ص ١٨٨.
(١٠) فتوح البلدان ، ص ٢٧٦. الملاحظ أن البلاذري لا يذكر ارتفاع السقوف. وإن تحدث عن جبال الأهواز