مثل مكة والطائف وسدوم ونينوى أيّ مدينة أخرى كبيرة أو صغيرة. أما في أقدم الروايات
التاريخية العربية فقد حافظت هذه الكلمة على هذا المعنى : فالقرية هي المدينة ، وأهل القرى هم سكان المدن ولا سيما مكة ويثرب والطائف
ويقابل القاري بالبادي . وحتى نعت قروي كان يعني مدنيا في الأصل .
أما كلمة مدينة ،
فقد وردت في القرآن بصيغة مدائن في الجمع واستعملت مفردا دلالة على يثرب ، وقد وردت أيضا اسما للجنس . وينبغي ترقب القرن الثاني لكي تعود إلى السطح التسمية في
عبارة مدينة السلام ، ونهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث ، لكي يبرز بوضوح
مفهوم المدينة ، في بغداد كما في الكوفة ، بصفتها تمييزا للمركز المدني الأصلي
المحاط بسور عن الأرباض ، وعن الامتدادات خارج السور . وباستقراء معاجم الفصحى التي دوّنت الأصول القديمة ، نجد
أن كلمة مدينة لا تطابق قطعا تصور المدينة الحديث ، بل لها مفهوم «الحصن الذي يبنى
في أصطمة الأرض» . وهي كلمة تشمل أيضا الأرض نفسها. ورأيي أن كلمة مدينة
ربّما تعني حصنا أو بصورة أدق المدينة ـ الحصن ، وكذلك فهي مدينة بها حصن أو
بناءات محصنة. كانت تلك صفة المدينة المستديرة ، وكذلك وضع يثرب المدرعة في داخلها
بالأطم. ولم يكن الوضع كذلك بالطائف وهي «قرية» وعرفت بهذا النعت ، لكنها أحيطت
بسور. ولذا فإن قرية ومدينة لم تتميزا من حيث الحجم ، بل بالوظيفة ونمط التمدن ؛
فللمدينة اتجاه دفاعي ، وهذه هي نوعيتها ودورها ، خلافا للقرية التي تجسم الخيار
المدني المعتاد ، ولا سيما الخيار المدني والتجاري والديني وخيار التجمع البشري
الكثيف. وهنا تكمن مفارقة نظرا لقلب الدلالة في الكلمتين ، مع أن كلمة
__________________