كمنتوج «لتطور بدأ من الخارج إلى الداخل (oustide ـ in) (١). وإذا استقرت المدينة الحقيقية ـ مدينة السكان والأسواق والعسكريين والصناع والتجار ـ خارج الأسوار من أول وهلة ، فماذا يبقى في الداخل سوى مركز إداري ، أي «ملك خاص للخليفة» شبيه نوعا ما وفي خاتمة المطاف بحامية الكوفة؟ وأين يكمن أيضا تطور الداخل بواسطة الخارج ، إذا ما خطّت المدينة المستديرة مسبقا ، وحصر مجالها ، فكانت فعلا لا تقدر على النمو إلا قليلا؟ وعندئذ ، هل يتعلق الأمر بمصر معكوس؟ يكفي القول ان المركز كان موجودا تماما في المصر وأن كل دفع ممكن صدر منه ـ وهو أمر يبدو لنا بديهيا ـ وأن نعيد إلى الجادة معنى تطوره لكي تصير بغداد صنوا للكوفة ، طبق مقدمات لاسنر نفسه. لقد أنشىء مركز هنا وهناك ، وتحول إلى مدينة حقا ـ مدينة عفوية ـ بفضل امتداداته المتنامية. لكنّ هذه المقدمات خاطئة ، ولا سيما بخصوص الكوفة.
والحق أن كل المواقف المشار إليها سابقا والقابلة للمحاججة بالنظر للأمصار الأخرى ، يتبين خطؤها قطعا بالنسبة للكوفة. فيمكن عند الضرورة الصاق مفهوم «المدينة العفوية» بالبصرة فعلا ، لا بسبب الثنائية المتصورة بين المعسكر والمدينة المقبلة ، ولا كذلك بسبب تطور ما خارجي مستقل عن المصر البدائي ومنعكس عليه ، بل بالأحرى لأن البصرة خلافا للكوفة ، ظهرت بصفة عفوية نسبيا ، متواضعة في الأصل ، وانبعثت انطلاقا من حافز على الهجرة جدّ لدى قبائل البحرين. لم تؤسس البصرة بفعل عمل مصمّم ومسترسل من طرف السلطة بل هي ظاهرة متفرّعة شبه هامشية ، ظاهرة ما زالت غامضة. فضلا عن أن في البصرة يدرك هذا التطور البطيء الذي تم على مراحل ، من الخيام الوطيئة إلى خصاص القصب التي ترفع أثناء الحملة. وقد وصفت المصادر بوضوح أول مسجد في البصرة على أنه مخطط بكل بساطة لا غير ، إنما لم يتمّ بناؤه ولعله أحيط بسياج من القصب. وإذن فليست ظروف البصرة هي ظروف الكوفة حيث استقر أكثر الجيش الفاتح الذي انتصر في معارك القادسية والمدائن وجلولاء : وهي مجموعة ملحاحة متماسكة تطالب وتحصل على رعاية السلطة. فيمكن فعلا الإشارة إلى عفوية نسبية في البداية بخصوص البصرة. ولم يتردد كايتاني في الإشارة إلى هذا الأمر (٢) ، مقارنا بين البصرة التي «تولدت من ذاتها ، ولضرورة في نفسها» ، وبين الكوفة التي ظهرت «اعتباطا» وبإرادة شخص. وقد أدرك ريتمييرReitemeyer ذلك الأمر جيدا (٣) ، وجاراه كرسويل Creswell (٤). لكن بالنسبة للكوفة لا
__________________
(١) Ibid.,p.٠٤١.
(٢) Caetani ,Annali dell\'Islam ,III ,٢ ,p.٤٣٨.
(٣) Reitemeyer, Stdtgrundungen der Araber in Islam, p. ٥١.
(٤) Creswell, Early Muslim Architecture, ouvr. cit. I, p. ٥١.