ومن الثابت أن بعض عناصر هذه القبيلة التي ستقوم بدور رئيس في العشرين سنة التالية ، قد تسربوا إلى منطقة الأبله وتقدموا إلى خوزستان (١). أما قبيلة بكر التي ارتبطت بها عجل وثيق الارتباط ، فقد كانت تترحل في البوادي خارج الطّف. وقد أنيطت مسؤوليات بعهدة بعض شيوخها ، كلفهم بها الفرس ، كما جرى الأمر مع شيخ من بكر ولي على الأبله (٢). لكن الملاحظ أنه ظهرت داخل هذه القبيلة استعدادات عدائية تجاه الامبراطورية الساسانية. كانت هذه القبيلة قبيلة اتصال ومثلث أيضا رأس الرمح للعروبة تجاه العجم. ظهر ذلك خلال معركة ذي قار (٣) ، ثم أثناء مقدمات الفتح الذي انطلق مع بكر فعلا بقيادة شيخهم المثنّى بن حارثة الشيباني. كانت معركة ذي قار تشكل أول مواجهة بين الفرس والعرب على أرض مكشوفة وتستند أسباب نشوبها إلى تاريخ العلاقات بين الامبراطورية ومملكة الحيرة ، وهي العلاقات التي بلغت مرحلتها الأخيرة من التدهور. ذلك أنه لكي يقوم بنو شيبان بنجدة آخر المناذرة الذي طارده كسرى ابرويز ، ولكونهم رفضوا تسليم الدروع التي أودعها النعمان عندهم ، فإنهم وافقوا على خوض نزاع كان يبدو غير متكافىء (٤). وقد شدت عجل أزرهم بقوة ، وجسّم حنظلة شيخهم روح النضال والتحدي ، أكثر من هانىء بن قبيصة سيد بكر. وما هو ذو دلالة أيضا أن قبيلة أياد التي حاربت مع الفرس ، اقترحت ، حسب المصادر ، خذلان أسيادها لفائدة أبناء جلدتها ـ وقد تجدد هذا النوع من السلوك في بعض مراحل الفتح العربي.
ولقد أشادت أشعار كثيرة بهذا الحدث (٥) الذي كانت مراحله متعددة. وقد وصفها العرب ـ ذهل بن شيبان وعجل ـ كما وصفوا أيامهم المعهودة ، فظهرت أيام قراقر وحنو ، وجبابات ، وذو أجرم ، وغدوان ، وأخيرا المواجهة الحاسمة في بطحاء ذي قار. والأمر المهم الواجب لحظه أن رؤساء الحاميات العربية بقيادة أياس بن قبيصة الطائي (٦) رافقوا الفرس ومن بينهم شخص بارقي (من الأزد) وآخر شيباني من بيت ذي الجدين عهد إليه بقيادة حامية صفوان في الطفّ. ما هي حصيلة هذه الوقعة؟ هل كانت تبشر في واقع الأمر
__________________
(١) نجد عناصر من ربيعة متنصرة في منطقة فارس وأسياف البحر إلى حد زمن علي لكن الأرجح أنهم قاموا بهجرة وحشية : الطبري ، ج ٥ ، ص ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٢) كان من بيت ذي الجدين الشريف الذي أقطع الأبله طعمة : الطبري ، ج ٢ ، ص ٢٠٦.
(٣) راجع ما ذكره عنها ، غولدزيهر.Goldziher ,Muhammadanishe ,I ,p ,٤٠١.
(٤) تاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ٢٠٦. هذا الاستبقاء لكمية ضخمة من الدروع والأسلحة يفسر قوة بكر العسكرية في أول الفتح : ياقوت ، معجم البلدان ، ط. بيروت ، ١٩٥٧ ، ج ٤ ، ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤.
(٥) المرجع نفسه ، ج ٢ ، ص ٢١٢.
(٦) خليفة النعمان على رأس الحيرة.