فحذفت الواو للتخلص من التقاء الساكنين (١). وإنما وقع الحذف عليها لوجود علامة قبلها تدل عليها ؛ وهى : «الضمة» ولم تحذف النون ، مراعاة للغرض البلاغى السابق ؛ ولعدم وجود ما يدل عليها عند حذفها.
ومثل ذلك يقال فى : «تقومنّ» فأصلها : «تقوميننّ» حذفت النون الأولى ، وبقيت نون التوكيد المشددة ، فصار اللفظ أنت تقومينّ ؛ فالتقى. ساكنان : ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها. فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين ، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها ، ولم تحذف النون للحاجة إليها ، فصار اللفظ تقومنّ (٢) ... فعند إعراب «تقومنّ ... السابقة ، أو تقومنّ ... نقول : فعل مضارع
__________________
(١) قال بعض النحاة : (إن التقاء الساكنين هنا على حده ؛ فهو جائز : فلا حاجة إلى حذف الواو والياء للتخلص منه. ويمكن الدفع بأنه وإن كان جائزا ـ لا يخلو من ثقل ما ، فالحذف هو للتخلص من الثقل الحاصل به. ا ه الصبان ج ١ فى الكلام على إعراب المضارع ...)
وقال فريق آخر من النحاة : (إن قلت : هو هنا على حده ؛ لكون الأول من الساكنين حرف مد «أى : حرف علة قبله حركة تناسبه» والثانى مدغما فى مثله. وهما فى كلمة واحدة لأن الواو والياء كجزئها ـ فلم لم يقبل كما قبل فى نحو دابة؟ أجيب : بأن الساكنين هنا من كلمتين ؛ لا من كلمة واحدة ؛ إذ الواو والياء كلمة مستقلة ، وكونهما كالجزء لا يعطيهما حكمه من كل وجه ؛ فلم يغتقر التقاؤهما لثقله ... ا ه خضرى فى الموضع السابق أيضا). ثم قال : وإنما اغتفر فى ألف الاثنين لأن حذف الألف يوجب فتح النون ؛ لفوات شبههما بنون المثنى فيلتبس بفعل الواحد ... ا ه)
والذى نراه فى الواو والياء ـ ويؤيده السماع القوى كالذى فى قوله تعالى (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ ...) أنه يجوز حذفهما وعدم حذفهما فى الأمثلة السابقة وأشباهها على حسب الاعتبارين السالفين. لكن الحذف هو الأكثر ـ طبقا لما سيأتى فى ص ١٦٢ و ٢٥٥ ويؤيد صحة الحذف وعدمه ما جاء فى حاشية الألوسى على القطر (ص ٥٧) من أن التقاء الساكنين المغتفر يتحقق بأن يكون الأول منهما حرف مد (أى : حرف علة قبله حركة تناسبه) والثانى منهما مدغما فى مثله : كدابة والضالين. فليس فى هذا الكلام ما يدل على اشتراط اجتماعهما فى كلمة واحدة. ومن أمثلته قوله تعالى : (فَاسْتَقِيما ، وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فقد اشتملت الآية على المضارع «تتيبعان» الذى وقع فيه التقاء الساكنين على حده المباح مع أن الالتقاء هنا فى كلمتين.
أما من يشترطون أن يكون الالتقاء فى كلمة واحدة. فيقولون فى المضارع السابق وأشباهه مما لم يحذف فيه حرف العلة ، إن سبب بقاء حرف العلة ، وعدم حذفه هو ضرورة طارئة ، كمنع اللبس فى المضارع السالف ، لأن حذف الألف يوقع فى اللبس بين فعل الواحد والفعل المسند لألف الاثنين ، ولا يمكن إبقاء الألف وحذف نون التوكيد ، لئلا يضيع الغرض الهام الذى جاءت لتحقيقه ؛ وهو التوكيد. ويؤيد ما سبق أيضا ما جاء فى هامش الشذور ـ ص ١٥ ـ فهو شبيه بما نقله الألوسى. وجاء فى شرح التصريح (ج ٢ باب الإبدال عند الكلام على إبدال الواو من الياء) ما نصه : يجوز الجمع بين ساكنين إذا كان الأول حرف لين ـ يريد حرف مدّ. والثانى مدغما ـ