ح ـ اشترطوا فى إعراب المضارع ـ كما سبق ـ ألا تتصل به اتصالا مباشرا نون التوكيد ، أو نون الإناث (١) ؛ فالمضارع معرب فى مثل : «هل تقومانّ؟ وهل تقومنّ؟ وهل تقومنّ»؟ لأن نون التوكيد لم تتصل به اتصالا مباشرا ، ولم تلتصق بآخره ، لوجود الفاصل اللفظى الظاهر ، وهو : ألف الاثنين ، أو المقدر ، وهو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة ؛ فأصل تقومانّ : تقوماننّ. فاجتمعت ثلاث نونات فى آخر الفعل. وتوالى ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد ، وكلها ليس أصليا ، وإنما هو من حروف الزيادة (٢) ـ أمر مخالف للأصول اللغوية ، فحذفت نون الرفع ؛ لوجود ما يدل عليها ، وهو أن الفعل مرفوع لم يسبقه ناصب أو جازم يقتضى حذفها ، ولم تحذف نون التوكيد المشددة ، لأنها جاءت لغرض بلاغى يقتضيها ، وهو توكيد الكلام وتقويته. ولم تحذف إحدى النونين المدغمتين لأن هذا الغرض البلاغى يقتضى التشديد لا التخفيف (٣). فلما حذفت النون الأولى من الثلاث ، وهى نون الرفع ، كسرت المشددة ، وصار الكلام ؛ «تقومانّ» (٤).
وأصل «تقومنّ» هو : «تقوموننّ» حذفت النون الأولى للسبب السالف ، فصار «تقومونّ» ؛ فالتقى ساكنان ... واو الجماعة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها ؛
__________________
(١) لا يكون اتصال نون النسوة به إلا مباشرا.
(٢) يتحتم امتناع توالى الأمثال إذا كانت الأحرف الثلاثة المتماثلة زوائد ؛ فليس منه : (القاتلات جننّ أو يجننّ) ، لأن الزائد هو المثل الأخير من الثلاثة. وليس منه قوله تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ ، وَلَيَكُوناً ، مِنَ الصَّاغِرِينَ) ـ كما يقول الصبان فى هذا الموضع وفى باب نون التوكيد ج ٣ ـ وليس منه أيضا الفعل ومشتقاته فى مثل : أنا أحييك ، أو : أنا محييك (وراجع شرح الرضى للشافية ، ج ٢ هو ١٨٦ وما يلبها). وهناك حالات أخرى يتحتم فيها المنع ، سيجىء ذكرها فى الجزء الرابع (باب تثنية المقصور والممدود ، وجمعهما ...)
(٣) إيضاح هذا ، وتفصيله فى ج ٤ ص ١٤٢ م ١٤٤ باب نون الثوكيد.
(٤) التقاء الساكنين (وهما ألف الاثنين والنون المشددة) جائز هنا ؛ لأنه على بابه وعلى حده : أى : على الباب القياسى له ، وموافق له ؛ وذلك لتحقق الشرطين المسوغين للتلاقى ؛ وهما وجود حرف مد (أى : حرف علة قبله حركة تناسبه) وبعده فى الكلمة نفسها حرف مدغم فى مثله ، أى : حرف مشدد. مثل : خاصة ، دابة ، الضالين. فإن كانت نون التوكيد خفيفة لم يصح وقوعها بعد الألف مطلقا ، سواء أكانت ألف اثنين ، أم زائدة للفصل بين نون التوكيد ونون النسوة ، فى مثل : تعليّمنان يافتيات ـ وسيجىء بيان هذا فى موضعه المناسب (ج ٤ باب نون التوكيد) ـ انظر هامش الصفحة الآتية. هذا ، ويصح التقاء الساكنين فى الوقف بغير شرط ـ كما قلنا فى ص ٤٩ ـ وكما يجىء فى ج ٤ ص ١٣٩ م ١٤٣ ـ وكذلك عند سرد بعض الألفاظ ؛ مثل : كاف ـ ميم ، صاد ...