لا يصح الأخذ بما قاله النحاة (١) من أن الاسم يبنى إذا شابه الحرف مشابهة قوية (٢) فى أحد أمور أربعة :
أولها : الشبه الوضعى :
بأن يكون الاسم موضوعا أصالة على حرف واحد ، أو على حرفين ثانيهما لين ، مثل : التاء ، ونا ، فى : جئتنا ، وهما ضميران مبنيان ؛ لأنهما يشبهان الحرف الموضوع على مقطع واحد ، كباء الجر ، وواو العطف ، وغيرهما ، من الحروف الفردية المقطع ، أو ثنائية المقطع ، مثل ، قد ، هل ، لم.
ولو صح هذا ، لسألناهم عن سبب بناء الضمائر الأخرى التى تزيد على حرفين ، مثل : نحن ، وإيّا .... وسألنا عن سبب إعراب أب ، وأخ ، ويد ، ودم ، ونحوها مما هو على حرفين؟ نعم أجابوا عن ذلك بإجابات ، ولكنها مصنوعة ، صادفتها اعتراضات أخرى ، ثم إجابات ....
ثانيهما : الشبه المعنوى :
بأن يتضمن الاسم بعد وضعه فى جملة ، معنى جزئيّا غير مستقل ، زيادة على معناه المستقل الذى يؤديه فى حالة انفراده ، وعدم وضعه فى جملة.
وكان الأحق بتأدية هذا المعنى الجزئى عندهم : الحرف. ومعنى هذا : أن الاسم قد خلف الحرف فعلا ، وحل محله فى إفادة معناه ، وصرف النظر عن الحرف نهائيّا فلا يصح ذكره ، ولا اعتبار أنه ملاحظ ؛ فليس حذفه للاقتصار كحذف : «فى» التى يتضمنها أنواع من الظروف ، أو حذف كلمة : «من» التى يتضمنها أنواع من التمييز ، فإن هذا التضمن فى الظرف والتمييز لا يقتضى البناء ـ كما يقولون ـ. أما التضمن الذى يقتضى البناء عندهم ، فهو التضمن اللازم ، الذى يتوقف عليه المعنى الذى قصد عند التضمن. فيخرج الظرف والتمييز. وتدخل أسماء الشرط والاستفهام ، مثل : متى تحضر أكرمك ـ ومتى تسافر؟
فكلمة : «متى» فى المثال الأول تشبه الحرف «إن» فى التعليق والجزاء ، وهى فى المثال الثانى تشبه همزة الاستفهام ، فكلتاهما اسم من جهة ، ومتضمنة معنى
__________________
(١) كابن هشام وغيره.
(٢) هى التى لا يعارضها شىء من خصائص الأسماء كالتثنية والإضافة.