وكلمة : «كيف» : تدل على معنى فى نفسها ، وهو : الحال ، وتدل على معنى فيما بعدها ، وهو : الاستفهام ، على الوجه السالف ، وكذلك أسماء الشرط ... فإن كلمة : «من» تدل على العاقل ـ غالبا ـ بنفسها ، وكلمة : «ما» تدل ـ غالبا ـ على غير العاقل بنفسها ، وهما تدلان على التعليق والجزاء فيما بعدهما ؛ فكأن كل كلمة من أسماء الاستفهام ، وأسماء الشرط ، ونحوها ـ تقوم مقام كلمتين فى وقت واحد ، إحداهما : اسم يدل على مسمى ، والأخرى : حرف يدل على معنى فى غيره ، وهذا الحرف يجب حذفه لفظا ، لوجود الاسم الذى يتضمنه تقديرا (١) ويؤدى معناه تماما. ومن هنا نشأ التشابه بين نوع من الأسماء والحروف ـ فى خيال بعض النحاة ـ فاستحق ذلك النوع من الأسماء البناء ؛ لعدم تمكنه فى الاسمية تمكنا يبعده من مشابهة الحرف.
ولا يكتفون بذلك بل يسترسلون فى خلق علل يثبتون بها أن الأصل فى البناء السكون ، وأن العدول عن السكون إلى الحركة إنما هو لسبب ، وأن الحركة تكون ضمة ، أو فتحة ، أو كسرة ، لسبب آخر ، بل لأسباب!! فما هذا الكلام (٢)؟ وما جدواه لدارسى النحو؟ أيعرفه العرب الخلّص أصحاب اللغة ، أو يخطر ببالهم؟
علينا أن نترك هذا كله فى غير تردد ، وأن نقنع بأن العلة الحقيقية فى الإعراب والبناء ليست إلا محاكاة العرب فيما أعربوه أو بنوه. من غير جدل زائف ، ولا منطق متعسف ، وأن الفيصل فيهما راجع (كما قال بعض السابقين (٣)) إلى أمر واحد ؛ هو : «السماع عن العرب الأوائل» ، واتباع طريقتهم التى نقلت عنهم ، دون الالتفات إلى شىء من تلك العلل ، التى لا تثبت على التمحيص. وعلى هذا
__________________
(١) راجع الصفحة الأولى من الجزء الثامن من شرح المفصل القسم الثالث : الحروف.
(٢) نرى بعضه فى حاشية الخضرى وشروح التوضيح والصبان وغيرها ... أول باب المعرب والمبنى.
(٣) حاشية الخضرى الجزء الأول ـ أول المعرب والمبنى ، عند الكلام على بناء الأفعال ، وحاشية الأمير على الشذور عند الكلام على المضارع. وكذلك ما أشرنا إليه فى المقدمة ـ هامش ص ٨ ـ من رأى «أبى حيان» الوارد فى «الهمع» ج ١ ص ٥٦ حيث يقول عن تعليلات النحاة لحركة الضمير : «إنها تعليل وضعيات ، والوضعيات لا تعلل» يريد بالوضعيات : الألفاظ التى وضعها العرب على صورة خاصة وشكل معين من غير علة للوضع ، ولا سبب سابق يدعو إلى اختيار هذه الصورة وذلك الشكل ؛ فليس هناك سبب إلا مجرد النطق المحض.