مستقل ، وكان التعبير عنه مقصورا على الحرف (١) ...
فهل نقبل هذه العلل المصنوعة الغامضة؟ وهل عرف العرب الأوائل الفصحاء قليلا أو كثيرا منها؟ وهل وازنوا واستخدموا القياس والمنطق وعرفوهما فى جاهليتهم؟ ثم يعود النحاة فيقولون : إن بعض الأسماء قد يبنى لمشابهته الحرف ، مثل : «من» و «أين» و «كيف» وغيرها من أسماء الاستفهام ... ومثل «من» ، و «ما» وغيرهما من أدوات الشرط والتعليق ... فأسماء الاستفهام إن دلت على معنى فى نفسها فإنها تدل فى الوقت ذاته على معنى ثان فيما بعدها ؛ فكلمة : «من» الاستفهامية ، اسم ؛ فهى تدل بمجردها وذاتها على مسمّى خاص بها ، إنسانا غالبا ، أو غير إنسان ـ وتدل على الاستفهام من خارجها ، بسبب افتراض أن همزة الاستفهام معها تقديرا ... فكأنك إذا قلت : من عندك؟ تفترض أن الأصل أمن عندك؟ وأنهما فى تقديرك كلمتان : «الهمزة» ، وهى حرف معنى ، و «من» الدالة على المسمى بها ، أى : على الذات الخاصة التى تدل عليها : «من» فلما كانت «من» لا تستعمل هنا إلا مع الاستفهام المقدر ، استغنى وجوبا عن همزة الاستفهام لفظا ، للزومها كلمة : «من» معنى ، وصارت «من» نائبة عنها حتما ؛ ولذلك بنيت ؛ فدلالتها على الاسمية هى دلالة «لفظية» ، مرجعها لفظها ، ودلالتها على الاستفهام جاءت من خارج لفظها (٢). ولا يجوز إظهار الهمزة فى الكلام كما تظهر كلمة : «فى» مع الظروف جوازا ؛ لأن الأمر مختلف ؛ إذ الظرف ليس متضمنا معنى : «فى» بالطريقة السالفة ، فيستحق البناء كما بنيت «من» الاستفهامية ، وإنما كلمة : «فى» محذوفة من الكلام جوازا لأجل التخفيف ؛ فهى فى حكم المنطوق به ؛ ولذلك يجوز إظهارها. بخلاف الهمزة (٣).
وكذلك كلمة : «أين» تدل وهى مجردة على معنى فى نفسها ، هو : المكان ، وتدل أيضا على الاستفهام فيما بعدها ، وهو معنى آخر جاءها من خارجها ؛ بسبب تقدير همزة الاستفهام معها ، ثم الاستغناء عن الهمزة وجوبا ؛ لوجود ما يتضمن معناها.
__________________
(١) أول حاشية الأمير على الشذور ، عند الكلام على الاسم.
(٢) شرح المفصل ج ١ القسم الأول ـ قسم الأسماء.
(٣) شرح المفصل ج ٢ ص ٤١ فى الظروف.