إمّا واقعا على طائرين فقط ، وإما واقعا على جماعة فقط ، وإما على الجنس كله واحدا واحدا ؛ بحيث لا يخلو طائر من الحكم عليه بعدم الوجود.
مما سبق نعلم أن : «لا» النافية التى تعمل عمل : «كان» لا تدل على نفى الجنس كله فرد فردا دلالة قاطعة لا تحتمل معها أمرا آخر ؛ وإنما تدل ـ دائما ـ على احتمال أمرين (١) ، فإن كان اسمها مفردا دلت على نفى الخبر عن فرد واحد ، أو على نفيه عن كل فرد من الأفراد. وإن كان اسمها مثنى أو جمعا دلت أيضا على احتمال أمرين ؛ إمّا نفى الخبر عن المثنى فقط ، أو عن الجمع فقط ، وإمّا نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس. فدلالتها على نفى الخبر تحتمل هذا ، وتحتمل ذاك فى كل حالة. وليست نصّا (٢) فى أمر واحد.
ومن أجل أنها تحتمل نفى الخبر عن الفرد الواحد إذا كان اسمها مفردا سميت : «لا» التى لنفى الواحد ، أو : «لا» التى لنفى الوحدة ، أى : الواحد أيضا.
والذين يعملونها يشترطون لذلك شروطا خمسة (٣).
أولها : أن يكون اسمها وخبرها نكرتين ؛ مثل : لا مال باقيا مع التبذير.
فإن كان أحدهما معرفة أو كلاهما ـ لم تعمل (٤).
ثانيهما : عدم الفصل بينها وبين اسمها وهذا يستلزم الترتيب بين معمونيها ،
__________________
(١) ما لم توجد قرينة تمنع الاحتمال ، وتعين أحدهما.
(٢) إذا أردنا النص على أن النفى يقع على كل فرد من أفراد اسم «لا» أى : يقع على أفراد الجنس واحدا واحدا ، من غير احتمال آخر ـ أتينا بالحرف الذى يدل على ذلك ، وهو : «لا» النافية للجنس ؛ بشرط أن يكون اسمها مفردا. وهى من أخوات «إنّ» تنصب مثلها الاسم وترفع الخبر. (وسيجىء الكلام عليها فى بابها الخاص ، آخر هذا الجزء ص ٦٢٢) ، فإن لم يكن اسمها مفردا بأن كان مثنى أو جمعا كانت فيهما هى و «لا» العاملة عمل ليس ـ سواء ؛ فيقع الاحتمال بين أن يكون الخبر منفيا عن الاثنين فقط ، أو عن الجماعة فقط ، وأن يكون منفيا عن كل فرد من أفراد الجنس. فالفرق بين نوعى «لا» العاملة إنما يتحقق حين يكون اسمهما مفردا.
(٣) مع ملاحظة ما لا يصح أن يدخل عليه الناسخ ، وقد سبق فى رقم ٣ من هامش ص ٤٩٥.
(٤) فلا يصح : لا السلاح مأمونا فى يد الطائش. لا سلاح المأمون فى يد الطائش ، لا السلاح المأمون إذا كان فى يد الطائش ... فمثل هذه تراكيب غير صحيحة ؛ بسبب إعمال «لا» مع فقدها شرطا من شروط الإعمال. إلا عند الكوفيين ؛ فإنهم لا يشترطونه ، وبمذهبهم قال المتنبى :
إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى |
|
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا |
ويجوز أن يكون خبرها جملة فعلية أو شبه جملة ؛ لأنهما يكونان فى حكم النكرة ـ كما سبق فى رقم ١ من هامش ص ٤٦ وفى ١ من هامش ص ١٩٢ وفى ٣ من هامش ص ١٨٨ ...