وأما الحرف الثانى ـ : «لا» فهو للنفى (١). وفريق من العرب ـ كالحجازيين ـ يعمله عمل : «ليس» ويجعل النفى به منصبّا مثلها على الزمن الحالى عند عدم قرينة تدل على زمن غيره. وفريق آخر ـ كالتميميين ـ يهمله. تقول : لا معروف ضائعا ، أو : لا معروف «ضائع» ، بالإعمال أو الإهمال. والمهم عند إعمالها هو فهم معناها ، وإدراك أثرها المعنوى فى الجملة ، ليحسن استخدامها على الوجه الصحيح (٢) وفيما يلى الإيضاح.
(ا) لا رجل غائبا ـ تشتمل هذه الجملة على كلمة : «لا» النافية وبعدها اسم مفرد مرفوع ، وبعده اسم منصوب. فما الذى تفيده هذه الجملة؟
تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم : «لا» مفردا ـ أى : غير مثنى وغير مجموع ـ احتمال أمرين : نفى الخبر (وهو : الغياب) عن رجل واحد ، ونفى الغياب عن جنس الرجل كله ؛ فردا فردا ؛ فلا غياب لواحد أو أكثر.
ولو قلنا : لا رجلان غائبين ، ولا رجال غائبين ـ لكان الأمر محتملا نفى الغياب عن اثنين فقط ، أو عن جماعة فقط ، ومحتملا أيضا نفى الغياب عن جنس الرجل كله ؛ فردا فردا ؛ بحيث لا يخلو واحد من الحكم عليه بعدم الغياب.
(ب) لا طائر موجودا ـ تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم «لا» مفردا أى : غير مثنى وغير مجموع ـ ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين ؛ نفى وجود طائر واحد ، ونفى وجود جنس الطائر كله ؛ فردا فردا ؛ فلا وجود لطائر واحد ، ولا أكثر. ولو قلنا : لا طائران موجودين ، ولا طيور موجودة ـ لكان النفى
__________________
(١) إذا كانت مثل : «ليس» فى معناها وعملها أفادت النفى فى الزمن الحالى إلا إن دلت قرينة على أن النفى لزمن آخر ـ كما تقدم فى رقم ١ من هامش ص ٥٣٧ ـ. أما المهملة فإن دخلت على فعل ماض فإنها تنفى معناه فى زمنه الخاص به وإن دخلت على مضارع فإنها ـ فى الرأى الراجح ـ تخلص زمنه للمستقبل ، وتنفى معناه فى هذا الزمن المستقبل.
(٢) «لا» المهملة من ناحية أثرها المعنوى فى الجملة تشبه «لا» العاملة عمل «ليس» ؛ فهما متشابهان فى المعنى مختلفان فى العمل ؛ فإحداهما تعمل ، والأخرى لا تعمل ، وسواء أكانت «لا» عاملة أم مهملة فهى من أدوات النفى التى لها الصدارة فى جملتها ـ فى الرأى الصحيح ـ بشرط ألا تكون زائدة. ـ راجع الصبان ، ج ٢ باب : ظن وأخواتها ، عند الكلام على الأدوات التى يقع بسببها التعليق لصدارتها ، وسيجىء هذا فى ج ٢ ص ٢٤ م ٦١.