حكم المعطوف على خبرها :
(ا) إن كان حرف العطف مما يقتضى أن يكون المعطوف موجبا (أى : مثبتا) مثل : «لكن» و «بل» ـ وجب رفع المعطوف (١) ؛ مثل : ما الفضل مجهولا لكن معروف ؛ وما الإحسان منكورا بل مشكور ؛ فيجب الرفع فى كلمتى : «معروف» و «مشكور» وأشباههما ؛ محاكاة لنظائرهما فى الكلام الفصيح المأثور (٢). وتعرب كلا منهما خبرا لمبتدأ محذوف ؛ فكأن أصل الكلام. ما الفضل مجهولا لكن هو معروف. وما الإحسان منكورا بل هو مشكور. ويتعين فى هذه الحالة إعراب كل واحدة من «لكن» و «بل» حرف ابتداء ،
__________________
ـ الزائدة ، وألا ينتقض النفى بسبب تكرارها نافية ، أو بوقوع حرف نفى آخر بعدها يزيل عن خبرها معنى النفى ، أو بدخول إلا ـ أو غيرها ـ على الخبر مما يزيل عنه النفى ، وأن يبقى الترتيب بين اسمها وخبرها ؛ فلا يتقدم الخبر على الاسم. (وكلمة زكن معناها : علم) ، ثم يقول :
وسبق حرف جرّ أو ظرف كما |
|
بى أنت معنيّا أجاز العلما |
أى : أن العلماء أجازوا تقديم الخبر إذا كان حرف جر مع مجروره ؛ مثل : ما بى أنت معنيا ، ومثاله هذا يصلح لتقديم شبه الجملة المعمول للخبر ، لا لتقديم الخبر لكن جواز تقديمه يؤذن بصحة تقديم الخبر شبه الجملة أيضا. أو كان ظرفا ، مثل : ما عند العاجز حيلة ، وذلك بناء على ما استنبطوه من كلام العرب.
(١) تفصيل ذلك : أن «لكن» تكون حرف عطف بثلاثة شروط ؛ أن يسبقها نفى ، أو نهى. وألا تكون مقترنة بالواو قبلها ، وأن يكون معطوفها مفردا ، لا جملة. ومثالها : ما أغضبت السباق ، لكن المتأخر. فإذا كان ما قبلها منفيا كالمثال السابق تركته منفيا على حاله ، وأقرت معناه المنفى ، ولم تغيره ، وأثبتت نقيضه لما بعدها ؛ ففى العبارة السابقة انتفى الحكم بالغضب على السباق ، ووقع الحكم بالغضب على المتأخر. وفى مثل : ما غابت فاطمة لكن زينب ـ انتفى الحكم بغياب فاطمة ، وثبت الحكم بغياب زينب. وهكذا نرى الحكم المنفى قبل : «لكن» يبقى منفيا على حاله ، ويثبت نقيضه لما بعدها ... و... و... فإن فقد شرط لم تصلح عاطفة ، ووجب أن تكون حرف ابتداء محض ، واستدراك وأن تدخل على جملة جديدة لا على مفرد.
وأما «بل» فإنها تكون حرف عطف بعد النفى وغيره ولا تعطف إلا المفردات على الصحيح. فإذا كانت بعد نفى ، أو نهى كان شأنها شأن : «لكن» فى أنها تتركه على حاله فيما قبلها ؛ أى : تقر معناه المنفى ولا تغيره ، وتثبت نقيضه لما بعدها ؛ نحو : ما أهنت نبيلا بل حقيرا. فقد انتفى حكم الإهانة عن النبيل وثبت حكم الإهانة للحقير. أما إن كانت بعد كلام موجب ، أو بعد أمر ، فإنها تفيد الإضراب أى العدول عن الحكم السابق ، ونقله إلى ما بعدها ، وترك ما قبلها كالمسكوت عنه ، أى : تركه غير محكوم عليه بشىء ، نحو : غرد العصفور ، بل البلبل. وفى ص ٥٤٢ ما يزيد الأمر وضوحا.
(٢) هذا هو التعليل الصحيح لوجوب الرفع. أما ما زاد عليه من أنه خبر مبتدأ محذوف ، وأنه لا يصح العطف و... و... مما قيل بعد ذلك فهو تحليل وتعليل منطقى ؛ ابتكره النحاة : لإيضاح الحكم السابق ، وضبط حدوده ؛ منعا للخطأ. وقد أحسنوا فيه ، وإن لم يعرف العرب الأوائل شيئا عنه.