الآراء من غير فائدة (١) ...
وتشتهر العاملة باسم : «ما الحجازية». ويشترط لإعمالها خمسة شروط مجتمعة(٢) :
(ا) ألا تقع بعدها كلمة : «إن» الزائدة (٣) ؛ فيصح الإعمال فى مثل : ما الحق مغلوبا ، ولا يصح فى مثل : ما إن الحق مغلوب (٤).
(ب) ألا ينتقض نفيها عن الخبر بسبب وقوع «إلا» بعدها (٥) ؛ فتعمل فى مثل : ما الجو منحرفا ، ولا تعمل فى مثل : ما الجو إلا منحرف ؛ وقول الشاعر :
إذا كانت النعمى تكدّر بالأذى |
|
فما هى إلا محنة وعذاب |
لأن الخبر مثبت هنا بسبب «إلا» التى أبطلت النفى عنه ، ولا يضر نقضه عن المعمول ؛ نحو : ما أنت متكلما إلا بصواب.
(ح) التزام الترتيب بين اسمها وخبرها الذى ليس شبه جملة ، فلا يصح تقديم الخبر الذى ليس شبه جملة على الاسم ؛ ولهذا تعمل فى مثل : ما المعدن حجرا ، وتهمل فى مثل : ما حجر المعدن ؛ لتقدم خبرها على اسمها. فإن كان الخبر شبه جملة جاز إعمالها وإهمالها عند تقدمه ومخالفته الترتيب ؛ مثل : ما للسرور «دواما ،» وقول الشاعر :
__________________
(١) وإنما أشرنا إلى الرأى الآخر هنا لينتفع به المتخصص فى فهم ما يصادفه من النصوص القديمة التى تطابقه.
(٢) هناك بعض شروط أخرى تركناها ؛ إما لاندماجها فى غيرها ؛ وإما لأنها متكلفة غير مقبولة ؛ فلا داعى للإعنات بها. من ذلك اشتراطهم ألا يبدل من خبرها المنفى بدل «موجب» بسبب اصطحابه «إلا» نحو : ما العدو شىء إلا شىء لا يعبأ به. فكلمة «شىء» الأولى خبر المبتدأ ، والثانية بدل منها. مرفوع. وهو موجب لوقوعه بعد «إلا». ووقوع البدل موجبا يقتضى عندهم أن يكون المبدل منه موجبا أيضا. ثم يقولون ، كيف يكون المبدل منه موجبا مع أنه خبر «ما» النافية التى تنفى معنى الخبر؟ فيقع التناقض الذى لا مفر منه إلا باشتراط ذلك الشرط الذى نرى إهماله ، وعدم التعويل عليه ؛ لأمرين : أولهما. أن دليلهم منقوض بدليل جدلى مثله ، لا نريد أن نعرضه ؛ منعا لإطالة المناقشة الجدلية بغير فائدة. وثانيهما ـ وهو الأهم ـ أن بعض أئمة النحاة ـ كسيبويه ـ لم يشترطه ؛ لأن صورا كثيرة من الكلام الفصيح تخلو منه. وهذه هى حجة قاطعة ، وفيها تيسير.
(٣) سبقت الإشارة لهذا فى «ب» من ص ٥٠٨.
(٤) إن كانت «إن» ليست زائدة وإنما هى لتأكيد النفى لم يبطل العمل ، بشرط وجود فاصل لفظى بين الحرفين ، أو قرينة أخرى تدل على أنها للتأكيد ؛ طبقا للبيان الذى فى رقم ٤ من هامش الصفحة الآتية. وقد سبق فى ص ٥٠٨ أنه لا يصح وقوع «إن» الزائدة ، بعد «ما» النافية العاملة ولا بعد «ليس» كما صرح بهذا الصبان وصاحب الهمع فى أول باب : «ما» الحجازية.
(٥) أو وقوع «لكن» ، أو : «بل» ، كما سيجىء ، فى ص ٥٣٩ ، وخرج النقض بكلمة «غير» فإنه لا يبطل عمل : «ما» ؛ نحو : ما الإساءة غير بلاء لصاحبها ، (بنصب كلمة «غير»).