ثم حذفت اللام الجارة ، تخفيفا ؛ لأن هذا جائز وقياسى قبل «أن» (١) ؛ فصارت الجملة : تصدق أن كنت غنيّا. ثم تقدمت «أن» وما دخلت عليه (أى : تقدمت العلة على المعلول) فصارت الجملة : «أن كنت غنيّا تصدّق». ثم حذفت : «كان» وأتينا بكلمة : «ما» عوضا عنها ، وأدغمناها فى «أن» ؛ فصارت : «أمّا». والحذف هنا واجب ، لوجود العوض عن «كان». وبقى اسم «كان» بعد حذفها ؛ وهو : تاء المخاطب. ولما كانت التاء ضميرا للرفع متصلا ؛ لا يمكن أن يستقل بنفسه ـ أتينا بدله بضمير منفصل ، للرفع ، يقوم مقامه ، ويؤدى معناه ؛ وهو : «أنت» فصارت الجملة : أما أنت غنيّا فتصدق. ثم زيدت : «الفاء» فى المعلول (٢) ؛ فصارت الجملة : أما أنت غنيا فتصدق. ومثلها : أما أنت قويّا فاعمل بجدّ. وأما أنت شابّا فحافظ على شبابك بالحكمة (٣) ...
ويجب عند محاكاة هذا الأسلوب ـ اتباع طريقته فى تركيب الجملة ، وترتيبها ، ولا سيما مراعاة الخطاب (٤).
٢ ـ وأما حذفها مع اسمها دون خبرها فجائز وكثير بعد «إن» و «لو» الشرطيتين ، فمثاله بعد «إن» : المرء محاسب على عمله ؛ إن خيرا يكن الجزاء خيرا ، وإن شرّا يكن الجزاء شرّا (٥) ؛ فالأصل : المرء محاسب على عمله ؛ إن كان العمل خيرا يكن الجزاء خيرا ، وإن كان العمل شرّا يكن الجزاء شرا ؛ فقد حذفت «كان» مع اسمها.
__________________
(١) يجوز حذف حرف الجر قياسا مطردا قبل : «أنّ وأن» عند أمن اللبس ... ـ وتفصيل الكلام على هذا الحذف فى موضعه المناسب وهو باب تعدى الفعل ولزومه (ج ٢ ص ١٣٥ م ٧١).
(٢) تشبيها له بجواب الشرط فى ترتبه على ما قبله.
(٣) من هذه الأمثلة وما سبقها من الشرح والتحليل يتضح أن شروط حذف «كان» ستة شروط مجتمعة : ان تقع صلة لأن المصدرية ، وأن تسبق «أن» المصدرية بحرف الجر الذى يفيد التعليل (كاللام) ، وأن يحذف حرف الجر ، وأن تتقدم العلة على المعلول مع اقترانه بالفاء ، وان تجىء «ما» عوضا عن «كان» المحذوفة ، ثم تدغم فى أن ... ثم نجىء بضمير منفصل للمخاطب يحل محل الضمير المتصل ، ويكون بمعناه ، ويغنى عنه.
(٤) بالرغم من قياسية هذا الأسلوب وإيضاح مرماه بعد ذلك الشرح ، يحسن اجتنابه فى عصرنا الذى لا يستسيغ مثله ؛ لغرابته ، وتعقيده.
(٥) لا فرق فى الحذف بين «إن» التى تدل على : «التنويع» (أى : تعدد الأنواع بعدها) كما فى المثال. والتى لا تدل على تنويع ؛ مثل قولك للعابس : تبسم ، وإن حزينا ، أى : وإن كنت حزينا ولكن الحذف بعد «التنويعية» أشهر وأوضح. ويحسن الاقتصار عليه لذلك ، مع أن الثانى صحيح أيضا.