المسألة ٤٥
حذف «كان» وحذف معموليها ، وهل يقع ذلك فى غيرها؟
ليس بين «كان» وأخواتها ما يجوز حذفه وحده ، أو مع أحد معموليه ، أو معموليه معا ـ إلا : «ليس» «وكان». فأما «ليس» فيجوز حذف خبرها على الوجه الذى شرحناه عند الكلام عليها (١).
وأما «كان» فقد اختصت ـ وحدها ـ من بين أخواتها بأنها تعمل وهى مذكورة أحيانا ، أو محذوفة أحيانا أخرى. والأصل أن تذكر مع معموليها ليقوم كل واحد من الثلاثة بنصيبه فى تكوين الجملة وتأدية المعنى المراد. لكن قد يطرأ على هذا الأصل ما يقتضى العدول عنه ، لأسباب بلاغية تدعو إلى حذف واحد أو أكثر. وصور الحذف أربعة ؛ حذف «كان» وحدها ، أو حذفها مع اسمها فقط ، أو حذفها مع خبرها فقط ، أو حذفها مع معموليها. وهذه الصور الأربع شائعة فى الكلام الفصيح شيوعا متفاوتا يبيح لنا محاكاته ، والقياس عليه. (ومن تلك الصور صورتان تحذف : «كان» فيهما وجوبا ، لوجود عوض عنها ؛ كما سنعلم).
وبقى حذف خبرها وحده أو اسمها وحده ، وكلاهما وهذا ممنوع فى الرأى الأصح عند جمهرة النحاة.
١ ـ فأما حذفها وحدها دون معموليها أو أحدهما فبعد «أن» المصدرية فى كل موضع أريد فيه تعليل شىء بشىء ؛ مثل. «أمّا أنت غنيّا فتصدّق» ؛ فأصل هذه الجملة فيما يتخيلون لتوضيحها (٢) : تصدّق ؛ لأن (٣) كنت غنيّا.
__________________
(١) ص ٥٠٧.
(٢) إنما كان ذلك ـ وهو حسن ـ من تخيل النحاة بقصد الإيضاح والتقريب ؛ لأن العرب الأوائل حين تكلموا بمثل هذا الأسلوب لم يدر بخلدهم شىء من هذا الحذف والتقدير والتعليل ؛ إنما نطقوا سليقة وطبعا ، بغير اعتماد على تحويل وتأويل ، أو مراعاة لقواعد المنطق ، وغيره مما لم يعرفوه فى عصورهم السابقة على وضع القواعد النحوية.
(٣) فاللام هنا لبيان العلة والسبب ، فما بعدها علة وسبب لما قبلها. فكأن السبب فى أمرك الشخص بالصدقة هو : غناه.