(ب) من الأساليب الأدبية الشائعة : «كائنا ما كان» ، و «كائنا من كان» ؛ فى مثل : سأفعل ما يقضى به الواجب ؛ كائنا ما كان. وسأحقق الغرض الكريم كائنا ما كان ... أى : سأفعل ذلك مهما جدّ وكان ذلك الواجب ؛ وذلك الغرض. ومثل : سأرد الظالم : «كائنا من كان» ـ سأكرم النابغ «كائنا من كان» ... أى : سأفعل ذلك مهما كان الإنسان الظالم ، أو النابغ.
أما إعرابه فمتعدد الأوجه : وأيسر ما يقال وأنسبه هو : «كائنا» حال منصوب ، واسمه (١) ضمير مستتر تقديره : «هو» يعود على الشىء السابق ، و «ما» أو «من» نكرة موصوفة مبنية على السكون فى محل نصب خبر «كائن».
و «كان» فعل ماض تام ، وفاعله ضمير مستتر يعود على «ما» أو «من» والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب صفة «ما» أو «من». والتقدير النحوىّ : سأفعل ذلك كائنا شيئا كان. أو : كائنا إنسانا كان. أى : سأفعل ذلك كائنا أىّ شىء وجد أو أىّ إنسان وجد.
ومن الأساليب المرددة فى كلام القدامى الفصحاء ـ برغم غرابتها اليوم ـ قولهم : «ربما اشتدت وقدة الشمس على المسافر فى الفلاة ؛ فكان مما يغطىّ رأسه وذراعيه ، وربما ثارت الرمال ؛ فكان مما يحجب عينيه ومنخرية ...» يريدون : فكان ربما يغطى رأسه ـ وكان ربما يحجب عينيه ومنخريه ، أى : يغطيهما (٢) ...
__________________
(١) لأنه اسم فاعل من «كان» الناقصة فيعمل عملها.
(٢) تصدى لهذا الأسلوب عالم جليل معاصر من تونس ـ هو : الأستاذ محمد الطاهر عاشور العضو المراسل بالمجمع اللغوى القاهرى ـ وخصه ببحث فى الجزء التاسع من مجلة المجمع (ص ١١٦) عرض فى الجلسة الحادية عشرة من الدورة الثامنة عشرة ووافق عليه المجمع وقرر أن ذلك أسلوب لغوى يراد منه الكثرة ، وقد يدل على القلة أحيانا. والبحث نفيس هام وملخصه مع الإيجاز هو : أن بعض المركبات استعملت استعمال كلمة مفردة ؛ كالذى ورد فى صحيح البخارى عن ابن عباس ونصه : «كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة إذا نزل عليه الوحى ، وكان مما يحرّك لسانه وشفتيه ...) وقد أهمل ابن الأثير فى كتابه : «النهاية» ، معنى قوله : «مما يحرك لسانه وشفتيه» وفسره عياض فى كتابه : «المشارق» بأن معناه : «كثيرا ما يحرك به لسانه وشفتيه» وبعد أن فسره روى عن أحد الأئمة من شراح الحديث ما يأتى : «فى مثل هذا كأنه يقول : هذا من شأنه ودأبه ؛ فجعل «ما» كناية عن ذلك ، ثم أدغم «النون» ، وروى عن آخر أن (معنى : «مما» هنا هو : «ربما» وهذا من معنى ما تقدم ؛ لأن «ربما» تأتى للتكثير أيضا. وفى مسلم ، فى حديث : النجوم أمنة السماء : «وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء» ... تكون «مما» هنا بمعنى : «ربما» التى للتكثير ، وقد تكون فيها زائدة) اه.