ذاك هو الحذف الجائز (١) ، أما الواجب فللمبتدأ مواضع ، وللخبر أخرى. وفيما يلى البيان :
مواضع حذف المبتدأ وجوبا ، أشهرها أربعة :
(ا) المبتدأ الذى خبره فى الأصل نعت ثم ترك أصله وصار خبرا. بيان هذا : أن بعض الكلمات يكون نعتا خاصّا بالمدح كالذى فى نحو : ذهبت إلى الصديق الأديب ، أو بالذم كالذى فى ، نحو : ابتعدت عن الرجل السفيه ، أو : بالترحم (٢) كالذى فى نحو : ترفق بالضعيف البائس. فكلمة «الأديب» و «السفيه» و «البائس» نعت مفرد (٣) ، تابع للمنعوت فى حركة الإعراب ، مجرور فى الأمثلة السابقة.
لكن يجوز إبعاده عن الجرّ إلى الرفع أو النصب بشروط (٤). وعندئذ لا يسمى
__________________
وهذا الرأى قريب من سابقه ، وحسن أيضا ـ كما قلنا ـ وفى كل ما تقدم راجع المغنى والهمع ، فى مبحث : «كيف» وكذا الصبان والخضرى وحاشية ياسين فى باب المبتدأ والخبر ـ ج ١ ـ عند بيت ابن مالك : وفى جواب : كيف زيد؟ قل : دنف ... ثم فى أول باب «أعلم وأرى»
ب ـ والتى تجردت عن الاستفهام ، وتخلصت لمعنى الحال المجرد (أى : كانت بمعنى : «الكيفية») لا تكون اسما مبنيا ، وإنما تكون اسما معربا مفعولا به ـ فقط ـ مجردا عن معنى السؤال ، وليس له وجوب الصدارة فيعرب مفعولا به منصوبا لعامل قبله كالذى قيل أيضا فى آية : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) حيث أعربها بعض النحاة مفعولا به منصوبا ، مضافا إلى الجملة الفعلية بعده ، ثم تأويل هذه الجملة الفعلية بالمصدر ـ طبقا لما هو موضح فى باب الإضافة ج ٣ خاصا بالجملة الواقعة مضافا إليه ـ كتأويل الجملة بالمصدر فى قوله تعالى (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) بإضافة كلمة «يوم» إلى الجملة بعده. فالمعنى : أرنى كيفية فعل ربك بأصحاب الفيل. ومثله التأويل فى الآية الأخرى وهى : قوله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ..؟) وفى الآيتين آراء أخرى ولكن ما عرضناه أوضح وأيسر تطبيقا ، وليس فيه ما يعارض حكما مطردا ، أو قاعدة أصيلة. أى : أرنى كيفية إحيائك الموتى.
ج ـ والشرطية : اسم شرط غير جازم ـ على الأرجح ـ يقتضى بعده فعل شرط وجوابه. ولا بد أن يكون الفعلان متفقين فى اللفظ والمعنى بعدها. نحو : كيف تكتب أكتب ، ولا يجوز : كيف تكتب أقرأ ... وتفصيل الكلام على هذا الاستعمال وحكمه مدون فى موضعه الخاص من الجزء الرابع ـ باب الجوازم ص ٣٣٤ م ١٥٦.
(١) ويمتنع حذف الجزأين معا ، أو أحدهما إذا وقعت جملتهما خبرا عن ضمير الشأن (وقد سبق تفصيل الكلام عليه فى الضمائر ـ ص ٢٢٦ ـ نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ.)
(٢) إظهار الرحمة والحنان
(٣) النعت المفرد كالخبر المفرد ، وكالحال المفردة ـ ما ليس جملة ، ولا شبه جملة.
(٤) ستجىء مفصلة فى موضعها الأنسب ، وهو : باب النعت ، ج ٣ ص ٣٧٥ م ١٥.