__________________
ـ الخبر هو : أن يسأل سائل : من عندكما؟ فتقول : «زيد». التقدير «زيد عندنا» ؛ فحذف الخبر وهو «عندنا» ؛ للعلم به على الوجه السالف.
وأتى فى البيت الثانى. بمثال لحذف المبتدأ ؛ أن يسأل سائل : كيف زيد؟ فيكون الجواب : «دنف» أى : شديد المرض «فدنف» خبر المبتدأ الذى استغنى عنه فحذف ، وأصل الجملة : زيد دنف. وقد ردد فى كلامه اسم : «زيد» على عادة قدامى النحاة فى كثرة ترديده خلال أمثلتهم ، هو ، وعمرو ، وبكر ، وخالد .. حتى صار التمثيل بهذه الأسماء بغيضا ؛ لابتذاله. يتحاشاه ـ بحق ـ أهل البلاغة والمقدرة الفنية.
وبهذه المناسبة نشير إلى أن كلمة : «كيف» أو «كى» ـ كما ينطقها بعض العرب ـ هى فى أكثر استعمالاتها : إما اسم مبنى على الفتح ، معناه الاستفهام عن حالة الشىء ، والسؤال عن هيئته الطارئة عليه ، دون السؤال عن ذاته وحقيقته ، وإما اسم معرب ، لا يدل على استفهام ، وإنما يدل على الحال المجردة ، والهيئة المحضة ، بأن يكون بمعنى «الكيفية». وإما شرطية غير جازمة. فلها حالات ثلاث لا تكاد تخرج عنها. ولكل حالة أحكامها التى نوضحها فيما يلى.
ا ـ فالاستفهامية لها الصدارة فى جملتها. وهى مبنية على الفتح وجوبا فى كل مواقعها المختلفة باختلاف الأساليب التى تحتويها. وضابط إعرابها أن ننظر إلى العامل بعدها ؛ فإن كان محتاجا إليها باعتبارها جزءا أساسيا لا يستغنى عنه فإنها تعرب على حسب حاجته ، فتكون خبرا فى مثل : كيف أنت؟ لأن العامل الذى بعدها مبتدأ يحتاج للخبر ؛ فهى الخبر له ، مبنية على الفتح فى محل رفع. وكذلك هى الخبر فى مثل : كيف بك ؛ وكيف به ، ـ بالإيضاح الذى سبق فى رقم ٢ من هامش ص ٤٠٥ ـ وفى مثل : كيف كنت؟ تعرب خبرا «لكان» ، مبنية على الفتح أيضا فى محل نصب ؛ لاحتياج «كان» لخبر. وفى مثل : كيف ظننت الضيف؟ تكون مبنية على الفتح فى محل نصب ، مفعولا ثانيا للفعل : «ظن» ـ وهو من الأفعال التى تحتاج لمفعولين ، أصلهما المبتدأ والخبر ـ فإن كان ما بعدها غير محتاج لها احتياجا أساسيا على الوجه السالف بقيت مبنية على الفتح أيضا. ولكن فى محل نصب دائما ؛ إما لأنها حال ؛ نحو : كيف حضر الضيف (أى : حضر الضيف فى أى حال ؛ وعلى أى هيئة) وإما لأنها مفعول مطلق ؛ نحو (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ؟) «فكيف» مفعول مطلق. والمعنى : فعل ربك بأصحاب الفيل أىّ فعل ...
فهى فى كل ما سبق اسم استفهام مبنى على الفتح فى محل رفع ، أو نصب على حسب حاجة العامل ، ولا تكون فى محل جر مع بقائها استفهامية إلا سماعا فى بعض أمثلة نادرة لا يقاس عليها ؛ منها قولهم : على كيف تبيع الأحمرين؟ ولسيبويه رأى آخر حسن فى معنى «كيف» الاستفهامية ، وفى إعرابها. وقد اضطرب النحاة فى شرحه إلى أن تناوله «الخضرى» فى حاشيته فأزال عنه الغموض والخفاء ، وكشف بشرحه السبب فى استحسان صاحب «المغنى» وتأييده لذلك الرأى. وملخصه : أن معنى : «كيف» الاستفهامية عند سيبويه شىء واحد ، هو السؤال عن الحال والهيئة الطارئة على الأمر المسئول عنه ، وأن من يقول : كيف محمد؟ وكيف الجو؟ يريد : فى أى حال ؛ محمد؟ وعلى أى حال الجو؟ فمعناها اللفظى الدقيق هو : ـ فى أى حال؟ ، أو : على أى حال ؛ بحيث تستطيع أن تحذف لفظها وتضع مكانه هذا الذى بمعناه ، فلا يتأثر المراد. وهذا معنى قول سيبويه إنها : «ظرف» مبنى على الفتح ؛ ـ لأن كلمة : «ظرف» يراد منها أحيانا الجار مع مجروره. ثم هو يريد الظرفية المجازية ؛ كالتى فى مثل : فلان فى حالة حسنة. ولا يريد الظرفية الحقيقية النحوية التى تقتضى أن يكون الظرف منصوبا على الظرفية ؛ إذ لا تدل هنا على زمان أو مكان ، وإنما يريد ما قدمناه من نحو : فى أى حال ـ وعلى أى هيئة ... وبهذا تكون «كيف» عنده مبنية على الفتح فى محل رفع أو نصب ، على حسب حاجة العوامل ، ولا تكون فى محل جر ، ولا مقصورة على النصب للظرفية أو لغيرها.