١٧ ـ ويجب تأخير الخبر ، إذا كان جملة فعلية ماضوية والمبتدأ «ما» التعجبية ؛ نحو : ما أقدر الله أن يدنى المتباعدين (١).
(ب) أثار النحاة والبلاغيون جدلا مرهقا حول بعض الحالات التى يكون فيها المبتدأ والخبر متساويين فى التعريف والتنكير ، أو متقاربين فيهما ؛ من غير لبس فى المعنى. ويدور الجدل حول معرفة الأحق منهما بأن يكون المبتدا. وإذا ظهر الأحق فهل يجوز الإغضاء عن أحقيته بجعله خبرا وجعل الخبر مبتدأ؟ وقد سبق (٢) بيان المراد من التساوى والتقارب فى التعريف والتنكير.
بالرغم من جدلهم المرهق (٣) ؛ فإن الجواب السديد يتلخص فى أن المعوّل عليه فى جواز تقديم المبتدأ على الخبر ليس التساوى أو التقارب فى درجة التعريف والتنكير ؛ وإنما المعول عليه وحده هو وجود قرينة تدل على أن هذا هو المحكوم عليه ، (أى : أنه المبتدأ) ، وذلك هو المحكوم به ، أى : الخبر ، على حسب المعنى ؛ بحيث يتميز كل من الآخر ، دون خلط أو اشتباه. فمتى وجدت القرينة التى تمنع الخلط واللبس جاز تقديم أحدهما وتأخير الآخر على حسب الدواعى (٤). وإن لم توجد القرينة وجب تأخير الخبر حتما من غير أن يكون للتساوى أو التقارب دخل فى الحالتين. فلا بد من مراعاة حال السامعين من ناحية قدرتهم على إدراك أن هذا محكوم عليه فيكون مبتدأ ، وأن ذاك محكوم به فيكون خبرا. فإذا وقع فى وهم المتكلم أن التمييز غير ممكن ، وأن اللبس محتمل ـ وجب إزالته ؛ إما بالقرينة التى تبعده وتبدده ، وإما بالتزام الترتيب ؛ فيتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر ؛ ليكون هذا التقدم دليلا على أنه المبتدأ ، ووسيلة إلى تعينه ؛ لموافقته للأصل الغالب فى المبتدأ.
__________________
(١) سبقت الإشارة لهذا فى ص ٤٥٢
(٢) فى هامش ص ٤٤٨.
(٣) وقد عرض لبعضه صاحب المفصل ، وكذا الصبان بإيجاز فى الجزء الأول باب المبتدأ والخبر عند الكلام على مواضع تأخير الخبر وجوبا. وكذلك التصريح وهامشه فى الموضع السابق أيضا : وكذلك المغنى أول الباب الرابع.
(٤) إلا فى الحالة التى أشرنا إليها فى رقم ٨ من ص ٤٥٣ وهى حالة اسم الإشارة المقرون بكلمة «ها» التنبيه ، مع معرفة أخرى إذ يتعين أن يكون اسم الإشارة هو المبتدأ ؛ لأن حرف التنبيه لا بد أن يتصدر ـ عند فريق من النحاة دون فريق ، طبقا للبيان المفصل الذى فى رقم ٦ من هامش ص ٢٩٥ ـ إلا إن كانت المعرفة الأخرى ضميرا ؛ ففى هذه الحالة يحسن أن يكون هو المبتدأ الذى تسبقه (ها) التنبيه ، واسم الإشارة يجىء بعده خبرا نحو : «هأنذا». وقد يجوز مراعاة القاعدة العامة بتقديم الإشارة أيضا فى هذه الصورة مع تأخير الضمير ؛ نحو : هذا أنا ، ولكن الأول أكثر فى الأساليب الأدبية المعروفة. (انظر ص ٣٠٤).