عند العرب ـ أوجب أن يكون «النجمان» مبتدأ ، لا غير ؛ إذ لا يوجد ما يحتاج إلى فاعل ، ومن ثمّ كان اللبس مأمونا (١) ...
وكما يقع اللبس بين المبتدأ والفاعل الضمير المستتر على الوجه السابق ، يقع بين المبتدأ ونائب الفاعل إذا كان ضميرا مستترا أيضا ؛ نحو : البيت أقيم. وكذلك بين المبتدأ وفاعل اسم الفعل. إذا كان الفاعل ضميرا مستترا ؛ نحو : القمر هيهات. وقد يلتبس المبتدأ لو تأخر بالتوكيد ؛ نحو : أنا سافرت ؛ فلو تأخر المبتدأ الضمير لكان توكيدا للتاء. فبسبب اللبس يمتنع التقديم فى كل ما سبق (٢) ...
٣ ـ أن يكون الخبر محصورا فيه المبتدأ (٣) بإنما ، أو إلا ؛ مثل : إنما البحترىّ شاعر ـ إنما المتنبى حكيم ـ ما النيل إلا حياة مصر ـ ما الصناعة إلا ثروة. فلا يجوز تقديم الخبر ؛ كى لا يزول الحصر ، فلا يتحقق المعنى على الوجه المراد.
٤ ـ أن يكون الخبر لمبتدأ دخلت عليه لام الابتداء (٤) ؛ نحو : لعلم مع تعب خير من جهل مع راحة ؛ لأن لام الابتداء لها الصدارة فى جملتها ؛ فيجب تقديمها مع ما دخلت عليه ؛ وهو المبتدأ.
٥ ـ أن يكون المبتدأ اسما مستحقّا للصدارة فى جملته ؛ إما بنفسه مباشرة ،
__________________
(١) ومن نوع الخبر الذى يجب تأخيره الجملة الفعلية الواقعة خبرا «عن ما» التعجبية ـ كما سيجىء فى ص ٤٥٢
(٢) وهذا على اعتبار أن الفعل ـ فى اللغات الشائعة ـ لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع ، وأن حمل الكلام على الكثير الشائع أحسن وأصح. أما على اللغة القليلة التى تجيز إلحاق هذه العلامة به فاللبس مخوف غير مأمون ، فلا يجوز التقديم ، والخير فى ترك التقديم فى هذه الصورة ، مبالغة فى الابتعاد عن شبهة اللبس.
(٣) أى : أن المبتدأ يكون منقطعا للخبر ، محصورا فيه وحده. وقد يختصرون فيقولون «محصورا» فقط. وبيان الحصر يتضح من التمثيل الآتى : إذا أردنا قصر شىء على شىء ؛ بحيث يكون أحدهما مختصا بالآخر ؛ منقطعا له. أى : متفرغا له كل التفرغ ـ سميت هذه العملية : «حصرا» ، أو «قصرا». كأن تريد قصر «البحترى» على الشعر ، وانقطاعه له فتقول : إنما البحترى شاعر. فقد قصرنا «البحترى» على الشعر ؛ أى : جعلناه مختصا به منقطعا له دفن غيره من العلوم والفنون الأخرى. ولا بد فى الحصر (القصر) من شىء محصور ، ومن محصور فيه ذلك الشىء ، ومن علامة حصر. فالبحترى فى المثال السابق هو «المحصور» ، ويسمى «المقصور» أيضا. والشعر هو المحصور فيه ، ويسمى : «المقصور عليه». كل ذلك ما لم تمنع قرينة. وعلامة الحصر هى : «إنما». وقد تكون «إلا» كما فى المثالين الآخرين أو غيرهما ، وقد يختصرون أحيانا فيقولون المحصور ؛ يريدون : المحصور فيه ؛ بشرط أن يكون الغرض واضحا لا لبس فيه. وللقصر طرق معينة متعددة ، وعلامات خاصة ، لها موضعها فى «علم المعانى».
وإذا كانت أداة الحصر (القصر) «إنما» فالمقصور عليه هو المتأخر فى جملتها ؛ وإذا كانت الأداة «إلا» فالمقصور عليه هو الواقع بعدها مباشرة.
(٤) سبق الكلام عليها فى هذا الباب ص ٤٤٥ ولها باب خاص فى ص ٥٩٥ و ٥٩٧