أستاذى رائدى فى العلم ـ مكافح أمين جندى مجهول ـ أجمل من حرير أجمل من قطن ...
ففى هذه الأمثلة وأشباهها يجب تأخير الخبر ؛ لأن تقديمه يوقع فى لبس ؛ إذ لا توجد قرينة (١) تعينه ، وتميزه من المبتدأ ؛ فيختلط المحكوم به بالمحكوم عليه ؛ ويفسد المعنى (٢) تبعا لذلك. فإن وجدت قرينة معنوية أو لفظية تدل على أن المتقدم هو الخبر وليس المبتدأ جاز التقديم ؛ فمثال «المعنوية» : أبى أخى فى الشفقة والحنان ... فكلمة : «أب» خبر مقدم ؛ وليست مبتدأ ؛ لأن المراد : أخى كأؤ ... ، أى : الحكم على الأخ بأنه كالأب فى الشفقة والحنان ، ولا يعقل العكس. فالمحكوم عليه هو : «الأخ» ؛ فهو المبتدأ ، والمحكوم به هو : «الأب الذى يشابهه الأخ. فالأب هو الخبر ولو تقدم ؛ لأن القرينة المعنوية تميزه وتجعله هو الخبر ؛ فصح التقديم لوجودها.
ومثل : الجامعة فى التعليم البيت. «فالجامعة» خبر مقدم ، «والبيت» مبتدأ مؤخر ؛ فهو المحكوم عليه بأنه مشابه للجامعة ؛ إذ لا يعقل العكس. ومثل : نور الشمس نور الكهربا. ضوء القمر ضوء الشموع ... الأسد فى الغضب القطّ فى الثورة. الجبل الهرم فى الضخامة. هذا العالم فى براعته هذا الطالب فى
__________________
(١) كررنا أن القرينة هى العلامة التى تدل على المعنى وتوجه إليه ، وتزيل عنه الغموض واللبس فإن كانت لفظا سميت : لفظية. وإن كانت غير لفظ سميت معنوية أو عقلية. وقد تقسم فى مواضع أخرى إلى حسية ؛ وهى : التى تدرك بإحدى الحواس ؛ فتشمل اللفظية ، وإلى غير حسية وهى التى تدرك بالعقل ... كما سيجىء فى رقم ١ من هامش ص ٤٦٠ ـ
(٢) أوضحنا أول هذا الباب ـ رقم ٧ من هامش ص ٤٠١ ـ معنى المحكوم عليه ، والمحكوم به. ولما كان الغالب فى الأول ـ وهو المبتدأ ـ أن يكون شيئا معلوما للسامع ، وأن يكون الثانى ـ وهو الخبر ـ مجهولا له ، وجب عند اللبس تأخير الثانى (أى : الخبر) ، إذ لو تقدم وأعربناه مبتدأ لا نقلب المحكوم به المجهول محكوما عليه معلوما. وصار المعلوم مجهولا ، وجاء الحكم فى الحالتين مخالفا للمراد ، وهذا فساد معنوى. وفى الموضع السالف بيان شاف مفيد.
ولزيادة الإيضاح نسوق المثال الآتى ، أن يعرف المخاطب شخصا مثل : «إبراهيم» بعينه واسمه ، ولكنه لا يعرف أنه زميله فى الدراسة ؛ فتقول : إبراهيم زميلك. جاعلا المبتدأ هو المعروف له ، والخبر هو المجهول له ، المحكوم به. وذلك شأن الخبر غالبا ـ كما قدمنا ـ أن يكون هو الشىء المجهول للمخاطب ، وأنه المحكوم به ؛ فلا يصح أن تقول ؛ زميلك إبراهيم ، بغير قرينة تدل على تقديم الخبر. أما إذا عرف زميلا له ، ولكنه لا يعرف اسمه ، وأردت أن تعين له الاسم ، فإنك تقول : زميلك إبراهيم. جاعلا المعلوم له هو المبتدأ ، والمجهول له المحكوم به هو الخبر. فلو عكس الأمر فى إحدى الصورتين لانعكس المعنى ؛ تبعا لذلك ، واختلف.