المسألة ٣٧ :
تأخير الخبر ، جوازا ووجوبا
للخبر من ناحية تأخّره عن المبتدأ وتقدمه ثلاث حالات ، أن يتأخر وجوبا ، وأن يتقدم وجوبا ، وأن يجوز تأخره وتقدمه.
فأما تأخره وتقدمه جوازا فهو الأصل الغالب ؛ نحو : السحاب بخار متكاثف ـ البرق شرارة كهربية ـ الكتاب صديق أمين ـ قول الشاعر :
أفى كل عام غربة ونزوح |
|
أما للنّوى من ونية فتريح |
ففى هذه الأمثلة وأشباهها يصح تقديم الخبر وتأخيره (١) ...
أما تأخره وجوبا ؛ ففى مواضع أشهرها :
١ ـ أن يكون المبتدأ والخبر معا متساويين (٢) أو متقاربين فى درجة تعريفهما أو تنكيرهما ، بحيث يصلح كل منهما أن يكون مبتدأ ؛ نحو : أخى شريكى ـ
__________________
(١) ومما يجوز فيه الأمران مخصوص «نعم وبئس» فى مثل : نعم الفارس على ، فيجوز تأخير «على» عن الجملة الفعلية التى قبله وإعرابه مبتدأ خبره تلك الجملة الفعلية السابقة ، ويجوز تقديمه عليها مع إعرابه مبتدأ وهى خبره. ويشترط فى هذا المخصوص وفى إعرابه السالف شروط تفصيلية مكانها ج ٣ ص ٣٠٧ م ١٠٩ ـ باب نعم وبئس.
(٢) سبق فى باب المعارف أن أنواعها تتفاوت فى درجة التعريف وقوته ؛ فنوع أقوى من نوع آخر ؛ فالضمير أقوى من العلم ، والعلم أقوى من اسم الإشارة ... وهكذا. بل إن النوع الواحد قد يتفاوت فى درجة تعريفه وقوته ؛ فضمير المتكلم أقوى من ضمير المخاطب ، وضمير المخاطب. أقوى من ضمير الغائب ... وهكذا على الوجه المفصل هناك (فى رقم ٢ من هامش ص ١٩١) ...
كذلك النكرة تتفاوت فى درجة التنكير وقوته ؛ فالنكرة المحضة (وهى المتوغلة فى التنكير ؛ أى : فى الإبهام والشيوع) إذا لم تخصص بوصف ، أو بإضافة ، أو بغيرهما ـ أقوى فى التنكير من المختصة ؛ لأن الاختصاص يضعف التنكير ، إذ يقرب النكرة من المعرفة بعض التقريب. والمراد من تساوى المعرفتين هنا أن يكونا فى درجة واحدة فى التعريف ـ ولو كانا من نوعين مختلفين كالعلم بالغلبة ، مع علم الشخص ـ كأن يكونا ضميرين معا للمتكلم ، أو للمخاطب ، أو للغائب ، أو يكونا علمين أو اسمى إشارة. والمراد من تساوى النكرتين أن تكونا محضتين معا ...
وأما تقارب المعرفتين ـ وقد يسمى أحيانا تفاوتهما فى الدرجة ؛ لما بينهما من اختلاف غير واسع ـ فمعناه أن يكونا من نوع واحد مع اختلافهما فى درجة ذلك النوع ؛ كضمير المتكلم مع ضمير المخاطب. أو ضمير المخاطب مع ضمير الغائب ، أو أن يكونا من نوعين مختلفين ولكنهما متقاربان ؛ كالعلم مع ضمير المخاطب ؛ فإن العلم يقاربه ، أو كالعلم الشخصى مع المعرف «بأل العهدية» فإن المعرف بها يقاربه. وتقارب النكرتين معناه أن إحداهما مختصة والأخرى غير مختصة ؛ فهى قريبة من أختها إلى حد ما. (قد يسمى أيضا تفاوتا ؛ لوجود اختلاف بينهما وإن كان يسيرا).