القسم الثالث ـ الخبر شبه الجملة :
يريد النحاة بشبه الجملة هنا أمران (١) ؛ أحدهما : الظرف بنوعيه الزمانىّ والمكانىّ ، والآخر : حرف الجر مع مجروره. فالخبر قد يكون ظرف زمان ؛ نحو : الرحلة «يوم» الخميس. والرجوع «ليلة» السبت. وقد يكون ظرف مكان ؛ نحو : «الحديقة «أمام» البيت ، والنهر «وراءه» ؛ فكلمة «يوم». و «ليلة» وما يشبههما ظرف زمان ، منصوب ، فى محل رفع (٢) ؛ لأنه خبر المبتدأ. وكلمة
__________________
(١) أما فى اسم الموصول فشبه الجملة ثلاثة أشياء سردنا تفصيلها فى ص ٣٤٧ وسيجىء كلام خاص بالجار مع مجروره ، فى باب الحال ج ٢ ص ١٠٠ م ٦٨.
(٢) وهذا رأى حسن بارع ـ أشرنا إليه فى رقم ١ من هامش ص ٣٤٧ ـ سجله شارح كتاب المفصل فى ج ١ ص ٩٠ ، ٩١ عند الكلام على أقسام الخبر. وإنما كان فى محل رفع لأن الأصل أن يكون الخبر مفردا مرفوعا ، إذ المفرد «بسيط» و «البسيط» أصل المركب ؛ فجاء الظرف والجار مع المجرور وحلا فى محل ذلك الأصل ؛ فمجيئها طارئ عرضى والمسألة شكلية ، بحتة ، ولا أثر لها من الناحية العملية التحقيقية : فلو قلنا : «ظرف منصوب خبر المبتدأ» أو جار مع مجروره خبر المبتدأ ، من غير أن نزيد شيئا ـ ما حصل قصور ، ولا وقعنا فى خطأ. لكن قد يكون الأخذ بالإعراب الأول أنسب ؛ لأنه أوضح ظهورا ، لمراعاة الأصل ، والغالب فيه .. وإليك النص الذى سجله شارح المفصل : (اعلم أنك لما حذفت الخبر الذى هو : «استقر» أو «مستقر» ، وأقمت الظرف مقامه ـ على ما ذكرنا ـ صار الظرف هو الخبر ، والمعاملة معه (أى : أن الآثار اللفظية والمعنوية فى الجملة قد انتقلت إليه) وهو مغاير المبتدأ فى المعنى ، ونقلت الضمير الذى كان فى الاستقرار إلى الظرف ، وصار مرتفعا به ، كما كان مرتفعا بالاستقرار ، ثم حذفت الاستقرار ، وصار أصلا مرفوضا لا يجوز إظهاره ؛ للاستغناء عنه بالظرف. وقد صرح ابن جنى بجواز إظهاره. والقول عندى أنه بعد حذف الخبر الذى هو الاستقرار ، ونقل الضمير إلى الظرف. لا يجوز إظهار ذلك المحذوف ؛ لأنه قد صار مرفوضا. فإن ذكرته أولا وقلت : زيد استقر عندك ـ لم يمنع منه مانع.
«واعلم أنك إذا قلت : «زيد عندك» فعندك ظرف منصوب بالاستقرار المحذوف ؛ سواء أكان فعلا أم اسما ، وفيه ضمير مرفوع ، والظرف وذلك الضمير فى محل رفع بأنه خبر المبتدأ. وإذا قلت : «زيد فى الدار» أو : «من الكرام» فالجار والمجرور فى موضع نصب بالاستقرار ، على حد انتصاب «عندك» إذا قلت : زيد «عندك». ثم الجار والمجرور والضمير المنتقل فى موضع رفع بأنه خبر المبتدأ ..) اه هذا ، وهو يشير بقوله (الجار والمجرور فى موضع نصب بالاستقرار ... إلخ) إلى ما هو معروف فى الاصطلاح النحوى من أن المجرور أصله مفعول به فى المعنى ، وحرف الجر أداة لتوصيل أثر الفعل إليه. فاعتبار الظرف هو الخبر من غير أن يتعلق بشىء آخر وكذلك اعتبار الجار مع مجروره هو الخبر ـ مذهب قديم من عدة مذاهب (سجلتها المراجع النحوية ؛ كالمفصل والصبان) وقد سجلنا رأى صاحب المفصل. والأخذ به يريحنا من بحوث جدلية مضنية ، وتقسيمات متعددة ؛ لا نفع لها اليوم وليس فيها إلا العناء العقلى الذى تضيق به الناشئة. وسنعرض لبعض تلك البحوث بقليل من التفصيل ؛ لا للأخذ بها ، ولكن ليقف عندها المتخصصون وقفة الفاحص.
شبه الجملة ـ فى هذا الباب ـ هو الظرف والجار مع مجروره. وسمى «شبه جملة» ، لأن كلا منهما قد يدل على جملة ومعناها. وأساس هذا التعليل عندهم أن الظرف أو الجار الأصلى مع مجروره ليس هو الخبر فى الحقيقة ، وإنما الخبر الحقيقى لفظ آخر محذوف ، يتعلق به الظرف ، والجار الأصلى مع المجرور ، إذ لا بد أن يتعلقا بفعل أى فعل (لا فرق بين المتعدى واللازم ، والجامد والمتصرف ، والتام والناقص ـ