مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها. فمن هذا المبدأ ألح الوهن والضعف ، على النحو ، وتمالأت عليه الأحداث ؛ فأظهرت من عيبه ما كان مستورا ، وأثقلت من حمله ما كان خفّا ، وزاحمته العلوم العصرية فقهرته ، وخلفته وراءها مبهورا. ونظر الناس إليه فإذا هو فى الساقة من علوم الحياة ، وإذا أوقاتهم لا تتسع للكثير بل للقليل مما حواه ، وإذا شوائبه التى برزت بعد كمون ، ووضحت بعد خفاء ـ تزهدهم فيه ، وتزيدهم نفارا منه ، وإذا النفار والزهد يكران على العيوب ؛ فيحيلان الضئيل منها ضخما ، والقليل كثيرا ، والموهوم واقعا. وإذا معاهد العلم الحديث تزورّ عنه ، وتجهر بعجزها عن استيعابه ، واستغنائها عن أكثره ، وتقنع منه باليسير أو ما دون اليسير ؛ فيستكين ويخنع.
والحق أن النحو منذ نشأته داخلته ـ كما قلنا ـ شوائب ؛ نمت على مر الليالى ، وتغلغلت برعاية الصروف ، وغفلة الحراس ؛ فشوهت جماله ، وأضعفت شأنه ، وانتهت به إلى ما نرى.
فلم يبق بد أن تمتد إليه الأيدى البارّة القوية ، متمالئة فى تخليصه مما شابه ، متعاونة على إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إليه النفوس الوفية للغتها وتراثها ؛ المعتزة بحاضرها وماضيها ؛ فتبذل فى سبيل إنهاضه ، وحياطته ، وإعلاء شأنه ـ ما لا غاية بعده لمستزيد.
ومن كريم الاستجابة أن رأينا فى عصرنا هذا ـ طوائف من تلك النفوس البارّة الوفية سارعت إلى النجدة ؛ كلّ بما استطاع ، وبما هو ميسر له ؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته ، أو اختصر قاعدته ، أو أوضح طريقة تدريسه ، أو أراحهم من مصنوع العلل ، وضارّ الخلاف ، أو جمع بين مزيتين أو أكثر من هذه المزايا الجليلة الشأن. لكنا ـ على الرغم من ذلك ـ لم نر من تصدى للشوائب كلها أو أكثرها ؛ ينتزعها من مكانها ، ويجهز عليها ما وسعته القدرة ، ومكنته الوسيلة ؛ فيريح المعلمين والمتعلمين من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدا مخلصا قدر استطاعتى ، فقد مددت يدى لهذه المهمة الجليلة ، وتقدمت لها رابط الجأش ، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصيلة ، ومظانها الوافية الوثيقة ، وضممت إليها ما ظهر فى عصرنا من كتب ، وأطلت الوقوف عند هذه وتلك ؛ أديم النظر ، وأجيل