اللغة الأجانب على الاعتراف بفضلهم ، والإشادة ببراعتهم (١) ...
هذه كلمة حق يقتضينا الإنصاف أن نسجلها ؛ لننسب الفضل لروّاده ، وإلا كنّا من عصبة الجاحدين ، الجاهلين ، أو المغرورين.
٢
وليس من شك أن التراث النحوى الذى تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة ، وأن الجهد الناجح الذى بذلوه فيه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة فى عصورها القديمة والحديثة ، ولا يقدر على احتمال بعضه حشود من الثرثارين العاجزين ، الذين يوارون عجزهم وقصورهم ـ علم الله ـ بغمز النحو بغير حق ، وطعن أئمته الأفذاذ.
بيد أن النحو ـ كسائر العلوم ـ تنشأ ضعيفة. ثم تأخذ طريقها إلى النمو ، والقوة والاستكمال بخطا وئيدة أو سريعة ؛ على حسب ما يحيط بها من صروف وشئون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه ؛ فيدفعها إلى التقدم ، والنمو ، والتشكل بما يلائم البيئة ، فتظل الحاجة إليها شديدة ، والرغبة فيها قوية. وقد يعوّقها ويحول بينها وبين التطور ، فيضعف الميل إليها ، وتفتر الرغبة فيها. وقد يشتط فى مقاومتها ؛ فيرمى بها إلى الوراء ، فتصبح فى عداد المهملات ، أو تكاد.
وقد خضع النحو العربى لهذا الناموس الطبيعى (٢) ؛ فولد فى القرن الأول الهجرى ضعيفا ، وحسبا وئيدا أول القرن الثانى ، وشب ـ بالرغم من شوائب خالطته ـ وبلغ الفتاء آخر ذلك القرن ، وسنوات من الثالث ، فلمع من أئمته نجوم زاهرة ؛ كعبد الله بن أبى إسحاق ، والخليل ، وأبى زيد ، وسيبويه ، والكسائى ، والفراء ، ونظرائهم من الأعلام ، ثم توالت أخلافهم ، على تفاوت فى المنهج ، وتخالف فى المادة ، إلى عصر النهضة الحديثة التى يجرى اسمها على الألسنة اليوم ، ويتخذون
__________________
(١) من ذلك ما قالة العلامة الكبير : «دى بور» فى كتابه : تاريخ الفلسفة فى الإسلام ، ونصه ـ كما جاء فى ترجمة الدكتور محمد أبو ريدة ص ٤ ـ :
«علم النحو أثر رائع من آثار العقل العربى. بما له من دقة فى الملاحظة ، ومن نشاط فى جمع ما تفرق. وهو أثر عظيم يرغم الناظر فيه على تقديره ، ويحق للعرب أن يفخروا به.»
(٢) هذا النسب صحيح.