السيارة. وقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ). فكل كلمة من الثلاث : (مطر ـ سيارة ـ رسول) وأشباهها قد ذكرت مرتين ؛ أولاهما بغير «أل» فبقيت على تنكيرها ، وثانيتهما مقرونة بأل العهدية التى وظيفتها الربط بين النكرتين ربطا معنويّا يجعل معنى الثانية فردا محدودا محصورا فيما دخلت عليه وحده ، والذى معناه ومدلوله هو النكرة السابقة ذاتها. وهذا التحديد والحصر هو الذى جعل الثانية معرفة ؛ لأنها صارت معهودة عهدا ذكريّا ، أى : معلومة المراد والدلالة ؛ بسبب ذكر لفظها فى الكلام السابق ذكرا أدى إلى تعيين الغرض وتحديده بعد ذلك ، وأن المراد فى الثانية فرد معين (١) ؛ هو السابق ، وهذا هو ما يسمى : «بالعهد الذّكرى».
٢ ـ وقد يكون السبب فى تعريف النكرة المقترنة بأل العهدية هو أن «أل» تحدد المراد من تلك النكرة ، وتحصره فى فرد معين تحديدا أساسه علم سابق فى زمن انته قبل الكلام ، ومعرفة قديمة فى عهد مضى قبل النطق ، وليس أساسه ألفاظا مذكورة فى الكلام الحالى. وذلك العلم السابق ترمز إليه «أل» العهدية وتدل عليه ، وكأنها عنوانه. مثال ذلك ؛ أن يسأل طالب زميله : ما أخبار الكلية؟ هل كتبت المحاضرة؟ أذاهب إلى البيت؟ فلا شك أنه يسأل عن كلية معهودة لهما من قبل ، وعن محاضرة وبيت معهودين لهما كذلك. ولا شىء من ألفاظ السؤال الحالية تشير إلى المراد إلا : «أل» ؛ فإنها هى التى توجه الذهن إلى المطلوب. وهذا هو ما يسمى : «العهد الذهنى» أو : «العهد العلمى».
٣ ـ وقد يكون السبب فى تعريف تلك النكرة حصول مدلولها وتحققه فى وقت الكلام ، بأن يبتدئ الكلام خلال وقوع المدلول وفى أثنائه ؛ كأن تقول : (اليوم يحضر والدى). ـ (يبدأ عملى الساعة) ـ (البرد شديد الليلة) ... تريد من «اليوم» و «الساعة» و «الليلة» ؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذى أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك : أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له : الطائر. أى : أصب الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبا يحمل بين أصابعه قلما فتقول له : الورقة. أى : خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو «العهد الحضورى» (٢).
__________________
(١) لهذا إيضاح فى رقم ٣ من هامش ص ٣٩٣.
(٢) وأكثر ما تقع «أل» التى للعهد الحضورى بعد أسماء الإشارة ؛ نحو : جاءنى هذا الرجل. أو بعد «أى» فى النداء ؛ نحو : يأيها الرجل. وقد تقع فى غيرهما كالأمثلة التى عرضناها من قبل.