فوق الياء المحذوفة. والتنوين الظاهر فى الحالتين عوض عن الياء المحذوفة (١).
أما حذف كلمة ومجىء التنوين عوضا عنها فيكثر بحذف المضاف إليه بعد لفظة : «كل» ، أو «بعض (٢)» ـ وما فى حكمهما ـ ومن أمثلته :
__________________
(١) هذا خير ما يقال اليوم ، وأوضحه وأيسره. أما ما يقوله النحاة فمردود عقلا ، وفيه التواء وصعوبة ؛ فهم يقولون : إن كلمة : باقية ؛ أو : نامية ، أو : ماضية ، أو : ما يشبهها «من كل كلمة مؤنثة على وزن فاعلة» يجوز جمعها جمع تكسير على وزن : «فواعل» ؛ فتصير الكلمة بعد تكسيرها «بواقى» «نوامى» «مواضى» ـ بالضم بغير تنوين ـ ؛ لأنها ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع (وهى كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان ؛ مثل : معابد ـ طوائف ـ جواهر ـ مدارس ، أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن ، مثل : مفاتيح ـ قناديل ـ أزاهير ؛ جمع أزهار. وتفصيل الكلام عليها فى الباب الخاص بما لا ينصرف ج ٤ م ١٤٥ وم ١٧٣). ثم تحذف الضمة ، لأنها ثقيلة على الياء ، فتصير الكلمة : «بواقى» ، «جوارى» ، «مواضى» ، ثم تحذف الياء للتخفيف أيضا. ويجىء التنوين عوضا عنها ؛ لأنها حرف أصلى ، لا يحذف من غير تعويض ؛ وإلا كان الحذف جورا على الكلمة ، كما يقولون!!.
هذا على اعتبار أن الكلمة كانت ممنوعة من الصرف أول الأمر ، ثم وقع الحذف والتعويض بعد ذلك. أما على اعتبار أنها لم تكن ممنوعة من الصرف أول الأمر وإنما وقع الحذف والتعويض قبيل منعها من الصرف فيقال فيها : «بواقى» ، «جوارى» ، «مواضى». بالتنوين فى كل هذا ، ثم حذفت الضمة وحدها ، لأنها ثقيلة على الياء (وبقى التنوين الذى تدل الضمة الثانية عليه). فالتقى ساكنان لا يجوز اجتماعهما هما : الياء والتنوين ؛ فحذفت الياء أولا ، ثم حذف التنوين بعدها ؛ (بسبب أن الكلمة ممنوعة من الصرف ؛ لصيغة منتهى الجموع.) فصارت «بواق» ، «جوار» ، «مواض» بكسرة واحدة ، أى (بغير تنوين) ثم جاء تنوين آخر غير المجذوف ؛ ليكون عوضا عن الياء ، وليمنع رجوعها عند النطق. فمنع الصرف فى الحالة الأولى سابق فى وجوده على الحذف ، ومقدم عليه ، أما فى الحالة الثانية فكان الحذف هو السابق والمقدم على منع الصرف فى رأيهم.
وكلتا الحالتين تجرى على الجموع السابقة وأشباهها فى حالة الجر أيضا ؛ فبدلا من أن يقال : حذفت الضمة ؛ لثقلها .. يقال : حذفت الكسرة ، لثقلها ... أو حذفت الفتحة التى هى نائبة عن الكسرة ؛ بسبب منع الصرف ، ثم حذفت الياء ...
ولا يخفى ما فى هذا من تكلف بغير داع ، ولف ، وتعقيد. والواجب أن نقول فى سبب الحذف فى «فواعل» وأشباهها ؛ (من كل صيغة لمنتهى الجموع ، آخرها ياء لازمة ، مكسور ما قبلها ، ولكنها تحذف كحذفها فى الجموع السابقة) ، «إنه استعمال العرب ليس غير». فهم يحذفون تلك الياء ؛ رفعا ، وجرا ، إذا وقعت آخر صيغة منتهى الجموع ، وما أشبهها ـ من غير أن يفكروا فى قليل أو كثير مما نقلناه عن النحاة ، بل من غير أن يعرفوا عنه شيئا. فلا علينا إن تركنا ذلك المنقول ، واكتفينا بما ذكرناه ؛ مسايرة للعقل ، وتجنبا للوعر الذى لا خير فيه.
ومما يؤيد رأينا ـ إن كان فى حاجة إلى تأييد ـ أن العرب يقولون أكرمت جوارى ... ورأيت سواقى ؛ بظهور الفتحة على الياء. فلم توصف الفتحة فى مثل هذه الحالة بالخفة وتفوز بالبقاء؟ ولم توصف فى حالة الجرحين تكون نائبة عن الكسرة بالثقل وتحذف ـ فى الرأى المشهور ـ ثم تحذف الياء؟ .. فكيف يقع هذا مع أن الحرف فى الحالتين واحد ، وكذلك حركته وهى الفتحة ، وكذلك الحنجرة ، واللسان والفم ، وجهاز النطق والكلام؟ ثم انظر رقم ١ من هامش ص ١٧٣.
(٢) والتنوين فيهما تنوين «عوض» و «أمكنية» معا ؛ لأنه عوض عن المحذوف ، ولأنهما معربان منصرفان ـ راجع حاشية الخضرى ، أول باب الممنوع من الصرف ـ وسيجىء فى الجزء الثالث (باب الإضافة م ٩٤ ص ٦٢) أن هذا الرأى أوضح وأدق من الرأى الآخر القائل : إنه للأمكنية فقط ؛ بحجة ـ