زيادة وتفصيل :
(ا) عرفنا أن «ذا» قد تركب مع «ما» أو «من» الاستفهاميتين ، فينشأ من التركيب كلمة واحدة فى إعرابها ـ وإن كانت ذات جزأين ـ وفى معناها وهو الاستفهام غالبا ، مثل : ماذا الوادى الجديد؟ من ذا المنشئ لمدينة القاهرة؟ وتسمى «ذا» : الملغاة إلغاء حكميّا ؛ لا حقيقيّا ؛ لأنها من حيث الحقيقة والواقع موجودة فعلا. ولكن من حيث اندماجها فى غيرها ، وعدم استقلالها بكيانها ، وبإعراب خاص بها ـ تعدّ غير موجودة.
أما إلغاؤها الحقيقى فيكون باعتبارها كلمة مستقلة بنفسها ، زائدة ، يجوز حذفها وإبقاؤها. ويترتب على تعيين نوع الإلغاء بعض أحكام ؛ منها :
أن كلمة : «ذا» فى الإلغاء الحقيقى لا يكون لها محل من الإعراب ، فلا تكون فاعلا ، ولا مفعولا ، ولا مبتدأ ، ولا غير ذلك ؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل ؛ ولا تؤثر فى غيرها ـ شأن الأسماء الزائدة عند من يجيز زيادتها ، وهم الكوفيون وتبعهم ابن مالك ـ بخلافها فى الإلغاء الحكمى ؛ فإنها تكون جزءا أخيرا من كلمة ، وهذه الكلمة كلها ـ بجزأيها ـ مبنية على السكون دائما فى محل رفع ـ أو نصب ، أو : جر ، على حسب موقعها من الجملة ، (مبتدأ ، وخبرا ، وفاعلا ، ومفعولا ... إلخ). ومما تصلح فيه لنوعى الإلغاء قول الشاعر :
من ذا الّذى ما ساء ق |
|
طّ ومن له الحسنى فقط |
وفى الإلغاء الحقيقى يجب تقديم «من» و «ما» الاستفهاميتين فى أول جملتهما حتما ، كالأمثلة السابقة ؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة فى جملته. بخلاف الإلغاء الحكمى ، فيجوز معه الأمران : إمّا تقديم الاستفهام بكامل حروفه فى جزأيه على عامله ، وإما تأخيره عنه ، فلا يكون للاستفهام وجوب الصدارة ؛ وفى هذه الصورة يعرب معمولا متأخرا لعامل متقدم عليه ؛ تقول : ماذا صنعت ، أو صنعت ما ذا؟ (١) ...
__________________
(١) راجع الصبان ، ج ١ ، باب الموصول ، عند الكلام على : «ذا» الموصولة. وجاء فى حاشية ياسين على التوضيح ج ٢ باب النواصب ، عند الكلام على : «كى» ما نصه : (قال ابن مالك : إن «ما» الاستفهامية إذا ركبت مع : «ذا» لا يلزم صدريتها ؛ فيعمل ما قبلها فيما بعدها ؛ رفعا نحو : كان ما ذا؟ أو نصبا كقول أم المؤمنين أقول ما ذا؟ ...».
وفى هذا النص اقتصار على التركيب مع «ما» الاستفهامية. أما النصوص الأخرى ـ كالتى فى الصبان ـ فصريحة فى : «من» و «ما» الاستفهاميتين ، وغيرهما مما سيجىء فى : «ب».