ولكن الأمر يتغير حين نقول : «الفم مفيد» ـ «العين نافعة» ـ «المنزل واسع النواحى» ، فإن المعنى هنا يصير غير جزئى ؛ (أى : غير مفرد) ؛ لأن السامع يفهم منه فائدة وافية إلى حدّ كبير ، بسبب تعدد الكلمات ، وما يتبعه من تعدد المعانى الجزئية ، وتماسكها ، واتصال بعضها ببعض اتصالا ينشأ عنه معنى مركب. فلا سبيل للوصول إلى المعنى المركب إلا من طريق واحد ؛ هو : اجتماع المعانى الجزئية بعضها إلى بعض ، بسبب اجتماع الألفاظ المفردة.
ومن المعنى المركب تحدث تلك الفائدة التى : «يستطيع المتكلم أن يسكت بعدها ، ويستطيع السامع أن يكتفى بها». وهذه الفائدة ـ وأشباهها ـ وإن شئت فقل : هذا المعنى المركب ، هو الذى يهتم به النحاة ، ويسمونه بأسماء مختلفة ، المراد منها واحد ؛ فهو : «المعنى المركب» ، أو : «المعنى التام» ، أو : «المعنى المفيد» أو : «المعنى الذى يحسن السكوت عليه» ...
يريدون : أن المتكلم يرى المعنى قد أدى الغرض المقصود فيستحسن الصمت ، أو : أن السامع يكتفى به ؛ فلا يستزيد من الكلام. بخلاف المعنى الجزئى ، فإن المتكلم لا يقتصر عليه فى كلامه ؛ لعلمه أنه لا يعطى السامع الفائدة التى ينتظرها من الكلام. أو : لا يكتفى السامع بما فهمه من المعنى الجزئى ، وإنما يطلب المزيد. فكلاهما إذا سمع كلمة منفردة مثل : باب ، أو : ريحان ، أو : سماء ، أو : سواها ... لا يقنع بها.
لذلك لا يقال عن الكلمة الواحدة إنها تامة الفائدة ، برغم أن لها معنى جزئيّا لا تسمى «كلمة» بدونه ؛ لأن الفائدة التامة لا تكون بمعنى جزئى واحد.
مما تقدم نعلم أن الكلمة هى : (اللفظة الواحدة التى تتركب من بعض الحروف الهجائية ، وتدل على معنى جزئى ؛ أى : «مفرد»). فإن لم تدل على معنى عربى وضعت لأدائه فليست كلمة ، وإنما هى مجرد صوت.