وركنها إلى صدر المرأة وأوقعها على الأرض وجانب بعض ثيابها وكشف عن بدنها ، فأقامها الشاب وتوجّه إلى الحرم الشريف ودموعه تنحدر وتجري وقال : يا سيّدي أترضى به فإنّي راض برضاكم ـ يعني حاشاك أن ترضى ـ ثمّ أخذ بيدها وعاد إلى منزله.
قال الحاج جواد : كنت حينئذ في الدار إذ طرق عليّ طارق معجلا بعد ثلاث أو أربع ساعات وهو يقول : أجب والدة السيّد علي وأدركه ، فقمت مسرعا ولم أخرج ولم أصل إليه إلى أن تواتر عليّ الرسل ، فدخلت عليه ، فإذا به ملقى على فراشه يتململ تململ السليم وينادي ويشكو من وجع القلب وعياله حوله ، فلمّا رأتني أمّه وزوجته وبناته وأخواته اجتمعن حولي بالبكاء ، واستدعين منّي الذهاب إلى الشاب المزبور والاسترضاء عنه ، هذا وهو ينادي في فراشه ويقول : إلهي أسأت وظلمت وبئس ما صنعت ، فأتيت منزل الشابّ وأخبرته بالخبر وسألته الرضا عنه فقال : أمّا أنا فقد رضيت عنه ، ولكن أين عنّي ذلك القلب المنكسر والحالة التي كنت فيها؟ فما رجعت إلّا وقد ارتج دار السيد علي بالبكاء ، والنساء ناشرات الشعر لاطمات الخدّ مشرفات بالحرم ، يردن الشفاء من الضريح المطهّر وأسمع أنين السيّد علي من الدار إلى الصحن الشريف ، فحضر فريضة المغرب والعشاء وأتيت وقمت للصلاة فما أتممت صلاتي إلّا ونودي نداء موته ، وضجّت عياله بالبكاء عليه فغسل في ساعته وأتي بالجنازة لتوضع في الرواق إلى الصبح.
ولمّا كانت مفاتيح الروضة المقدّسة في تلك الأوقات لتعمير الحرم الشريف عندي وبيدي ، فأمرت بسدّ الأبواب والتجسّس في أطراف الحرم والرواق ، وبالغنا في التخلية عن جميع من يكون وذلك لحفظ الخزانة والآلات المعلّقات وغيرها حتّى اطمأننا ، فوضعت الجنازة في الرواق وانسدّت الأبواب بيدي وأخذت المفاتيح ، فلمّا جئت وقت السحر لفتح الأبواب ففتحتها جاء الخدم وعلق الشموع ، وإذا بكلب أسود قد خرج من الرواق إلى الصحن فامتلأت غضبا على الخدمة والمأمورين الذين كانوا معي في الرواق بالتجسس فحلفوا ، وأنا أعلم أنّهم لم يقصّروا ولم يكن شيء قطّ في الحرم وقالوا : إنّا تفحّصنا غاية التفحّص ، فلمّا كان غداة غد اجتمع الناس لدفن السيّد علي وإذا بالتابوت وفيه كفن خال ممّا فيه ، فتعجّبت واعتبرت كما تعجّب الناس وتفرّقوا ، وهذا ممّا شاهدته بعيني (١).
__________________
(١) لم أجده في البحار ولا غيره من المصادر.