وهكذا جاهد في سبيل الله تعالى في الداخل وفي الخارج ، واعتز بالله تعالى فأعزّه ، وأعزّ به المسلمين ، وكيف لا؟! والله تعالى يقول : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون ٦٣ / ٨].
وكان يستهل كتبه بالآية الكريمة : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل ٢٧ / ٣٠].
وكان له من الآثار في كل عاصمة من عواصم الإسلام ما يفتخر به الدهر ، فقد بنى واحدا وثمانين جامعا كبيرا ، واثنين وخمسين مسجدا صغيرا ، وخمسا وخمسين مدرسة عامة ، وسبعة معاهد لدراسة القرآن الكريم ، وسبع عشرة تكية لإطعام الفقراء مجانا.
وغير ذلك كثير مما هو قائم حتى الآن ، ولا يستطيع إنكاره أي عدو حاقد أو متفرنج مهووس. ويحفظ التاريخ إلى الأبد لرجل التاريخ مواقفه المشرفة تلك (٢٥).
أما في اليمن فقد عزل السلطان سليمان الأمير إسكندر عن اليمن سنة (٩٢٧ ه ـ ١٥٢٠ م) ، وقد تتابع على إمارتها في عهده رؤساء من الأتراك اللوند ، وهم بحارة الأسطول المجندون من الأناضول ، وكان أولهم (كمال بك) سنة (٩٢٧ ه ـ ١٥٢١ م) الذي صرع على أيدي جنوده سنة (٩٣٠ ه ـ ١٥٢٤ م) فخلفه (إسكندر) ، ثم تلاه (حسين بك) سنة (٩٣١ ه ـ ١٥٢٤ م) ، ثم تبعه (الروملي مصطفى) سنة (٩٣٥ ه ـ ١٥٢٩ م) ، ثم عقبه (سيد علي بك) لبضعة أشهر في سنة (٩٣٥ ه ١٥٢٩ م) ، وجاء بعده آخر أمراء اللوند حكما في اليمن (إسكندر) من سنة (٩٣٧ ـ ٩٤٣ ه) ـ (١٥٣٠ ـ ١٥٣٦ م).
ثم أسند السلطان سليمان الأول حكم اليمن إلى ولاة من العثمانيين بدأهم ب (بهرام بك) سنة (٩٤٣ ه ـ ١٥٣٦ م). ولم يكن حظ هؤلاء في اليمن أفضل من سابقيهم اللوند ، فقد عجزوا من جهة عن حسم الخلافات بين الجنود من الإنكشارية أنفسهم ، الذين وفدوا إلى اليمن من مصر في جيش السلطان سليم الأول ، وكذلك لم يتمكنوا من جهة أخرى من إطفاء الفتن التي كانت تشتعل في اليمن بين حين وآخر ، وهذا ما سبب الفشل الذريع لمعظم هؤلاء الولاة الأتراك ، حتى لو كانوا ممن عرفوا بحسن التدبير ، ففقد كل منهم مركزه ومكانته
__________________
(٢٥) رجال ومواقف تحت راية الإسلام ص ٢٧٤ ـ ٢٧٧