نزلت من أجله ، و عليه فإنّ أسباب النزول هي القضايا والحوادث التي وردت الآيات من أجلها و في شأنها ، أو نزلت مبيّنة لحكم ورد فيها ، أو نزلت جواباً عن سؤال مطروح.
لكن لابدّ من الإعراض عن هذا الظاهر ، لأنّ الإلتزام بهذا المعنى غير صحيح لوجهين :
الأوّل : إنّ هذا المعنى بعيد أن يقصده علماء الإسلام وخاصّة في مجال علوم القرآن ، لأنّ السبب بهذا المعنى إصطلاح فلسفي لم يتداوله المسلمون إلّا في القرون المتأخرة ، و على ذلك : فلابدّ من حمل كلمة «سبب» على معناها اللغوي ، وهو «ما يتوصّل به إلى أمر» ، وهذا يعمّ ما فيه سببيّة بالمصطلح الفلسفي ، أو يكون مرتبطاً به بشكل من الأشكال ، فسبب النزول هو «كلّ ما يتّصل بالآية من القضايا والحوادث والشؤون» ، سواء كانت علّة نزلت الآية من أجلها أو لم تكن كذلك ، بل ارتبطت بالنزول ولو بنحو الظرفيّة المكانيّة أو الزمانيّة أو الإقتران ، وما شابه.
الوجه الثاني : إنّ ملاحظة ما ذكره المفسّرون و علماء القرآن من أسباب نزول الآيات تدلّنا بوضوح على أنّ مرادهم به ليس هو خصوص ما كان سبباً بالمصطلح الفلسفي ، بأن يكون علّةً نزلت الآية من أجله ، و إنّما يذكرون تحت عنوان «سبب النزول» كلّ القضايا التي كان النزول في إطارها ، وما يرتبط بنزول الآيات بنحو مؤثّر في دلالتها ومعناها ، بما في ذلك الزمان والمكان ، و إن لم يتقيّد ذلك حتى بالزمان والمكان ، و لذلك فإنّ سبب النزول يصدق على ما يخالف زمان النزول بالمضيّ والإستقبال.
وقد لا تكون أسباب النزول ، إلّا خصوصيّات في موارد التطبيق تعتبر فريدةً ، فهي تُذكر مع الآية لمقارنة حصولها عند نزولها ، ككون العاملين بالآية متّصفين ببعض الصفات ، أو تُعتبر مقارنات نزول الآية لعمل شخص ميّزةً وفضيلةً له.
إلى غير ذلك ممّا يضيق المجال عن إيراد أمثلته وتفصيله ، فإنّ جميع هذه الموارد يسمّونها في كتبهم بـ «أسباب النزول» بينما ليس في بعضها سببيّة للنزول بالمصطلح الأوّل.
فالمصطلح القرآني لكلمة «أسباب النزول» نحدّده بقولنا : «كلّ ما له صلة بنزول الآيات القرآنيّة».
فيشمل كلّ شيء يرتبط
بنزولها ، سواء كان علّة و سبباً أو كان بياناً و إخباراً