و عندي أنّ لطالب التحقيق أن يمتحن نفسه بقراءة الخطوط اليدوية الشائعة ، فإنّها أول الطريق.
و قراءة الكتب المحققة جيّداً و ملاحظة هوامشها ، لأنّ محقّقي التراث الضابطين يستدلّون لقراءتهم في الهوامش ـ غالباً ـ بأدلّة تفتح الذهن و ترسّخ الملكة.
و قراءة مقالات النقود والردود التي يعقّب بها بعضهم على بعض ، ومظنّتها المجلات المتخصّصة كمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ، ومجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، ومجلة الاُستاذ العراقية ... وأمثالها.
فإنّ في هذين الموردين من لطائف التصحيح ، ودقائق التصحيف الشيء الكثير.
وقد جاء السيد محمد باقر الداماد قدّس سرّه (٩٦٠ ـ ١٠٤١ هـ) في الراشحة السابعة والثلاثين من كتابه الفريد «الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإمامية» وهو شرح لأجلّ كتب حديث أهل البيت عليهم السلام ، كتاب الكافي للشيخ الكليني قدّس سرّه ، و ممّا يحزّ في النفس و تكاد أن تذهب عليه حسرات عدم إكماله هذا الشرح القيّم ، فلم يخرج منه إلّا بعض المقدمة..
جاء هذا العيلم بكلام جامع في التحريف والتصحيف (ص ١٣٢ ـ ١٥٧ من مطبوعته على الحجر سنة ١٣١١ هـ).
قال رحمه الله عن التصحيف في ص ١٣٣ : «وهذا فنّ جليل عظيم الخطر ، إنّما ينهض بحمل أعبائه الحذّاق من العلماء الحفّاظ والنقّاد من الكبراء المتبصّرين».
وقسّمه إلى أقسام :
محسوس لفظي : وهو واقع في موادّ الألفاظ وجواهر الحروف وصورها الوزنية و كيفيّاتها الإعرابية وحركاتها اللازمة.
وهذا التصحيف المحسوس اللفظي :
إمّا من تصحيف البصر كجرير و حريز.
و إمّا من تصحيف السمع كـ (استأى لها) أي استاء و (استآلها) أي أوَّلَها ـ من التأويل ـ.
ثم تكلّم رحمه الله عن التصحيف المعنوي.
ثم ساق أمثلة من تصحيفات عصريّيه ـ لا نوافقه على كلّها ـ.
و بالجملة فهو بحث عميق
دقيق من مجرّب خبير ، فلا يفوتنّ طلبة العلم إمتاع